كبار السن ورعايتهم النفسية
الدكتور سامر جميل رضوان
يشكل الكبار في السن فئة يزداد عددها باستمرار بسبب التحسن في الرعاية الصحية وانعكاس ذلك على ارتفاع متوسط الأعمار.
ومع هذا
الارتفاع في متوسط الأعمار أخذت الفترة الحياتية في مرحلة ما بعد التقاعد
تصبح فترة زمنية طويلة نسبيا يمكن للمرء القيام فيها بنشاطات متنوعة
كانت تحول مشاغل الحياة دون تحقيقها في السابق كالرحلات وتنمية الهوايات
المتناسبة مع السن والتفرغ للعلاقات الاجتماعية أو حتى إنجاز أعمال
إبداعية سواء كانت أدبية أم علمية . فمن المعروف أن كثير كبار الكتاب
والمبدعين قد أنجزوا أعمالهم الضخمة في المراحل المتأخرة من العمر بعد أن
تكون الخبرة والمعرفة قد نضجت وأصبحت في ذروتها .ومن هنا فإن الحديث عن
بعض الصعوبات الصحية التي يعاني منها الكبار في السن نتيجة هذه المرحلة
العمرية قد بولغ أكثر من اللازم في السابق و يجب ألاّ ينسينا الجوانب
الإيجابية التي تتمتع فيها هذه الفترة الحياتية.
ومع
ذلك فهناك مجموعة من المشكلات الناجمة عن طبيعة هذه السن لابد من فهمها
الفهم المناسب التي تشكل التغيرات الجسدية والنفسية جزءاً منها ، إلى
جانب التغيرات العامة التي يحملها الكبر معه .فالأمراض الجسدية تزداد في
هذه السن ، وهناك مجموعة من الأمراض الجسدية المألوفة في هذه السن كالسكري
المتأخر وآلام القلب والدورة الدموية والأرق
(
اضطرابات النوم) والشعور بالدوار وضعف الذاكرة والسمع والبصر والسرعة في
التعب. ولابد لكل من يتعامل مع الكبير في السن أن يفهم هذه التغيرات
ويستفسر من الطبيب عنها كى يستطيع التعامل معه والاهتمام به. وإلى جانب هذه
التبدلات هناك مجموعة من التبدلات النفسية التي تترافق مع التبدلات
الجسدية فيغدو المسنون غير راضيين عن أنفسهم ويشعرون بالعزلة والاستبعاد
والنسيان من محيطهم وخصوصاً عندما يكبر الأولاد ويؤسسون لأنفسهم أسرتهم
الخاصة ويغرقون بمشاغل حياتهم، كما ويمكن لفقدان الأصدقاء وشريك العمر أن
يؤثر بشكل سلبي على التكيف.
وقد
تتفاقم هذه المشكلات بسبب الصعوبات التي تعانيها كثير من الأسر في
الاهتمام ورعاية المسنين، نتيجة لأسباب كثيرة ومتنوعة يمكن تلخيصها
بالنقطتين التاليتين:
التبدل الحاصل في بنية الأسرة :
سيادة نمط الأسرة الصغيرة مقابل الأسرة الكبيرة. ففي الماضي كانت الأسرة
تضم عدة أجيال متعاقبة في منزل واحد.في حين أن ظروف الحياة الراهنة قلما
تتيح مثل هذه الإمكانية وخصوصاً في المدن الكبيرة التي يطمح فيها أفرادها
بالاستقلال في السكن . هذا بالإضافة إلى تعقد ظروف السكن وصعوبتها والتي
أصبحت لا تسمح باستيعاب عدد كبير من الأشخاص في منزل واحد.
ازدياد عدد النساء العاملات اللواتي كن في الماضي يقمن بدور الرعاية
للمسن وبالتالي وجود صعوبة في وجود شخص يهتم بالمسن ويرعاه.الأمر الذي قاد
في كثير من دول العالم إلى تأسيس مؤسسات متخصصة، كدور المسنين ، تحل شيئا
فشيئا محل الأسرة في رعاية المسنين في الحالات التي لا تستطيع فيها
الأسرة القيام بهذا العمل.
وفي
مجتمعنا مازال الكبار في السن يلعبون دورا كبيرا في الحياة الأسرية
ويسهمون بفاعلية في تقرير مصير الأفراد ويظل تدبير أمور الأسرة من واجباتهم
التي لا يرضون بالتنازل عنها. ويختلف الأمر باختلاف الظروف الاجتماعية
والاقتصادية للأسرة ، وبالتالي فإن نوعية المشكلات النفسية التي قد يعاني
منها المسنون في هذه المرحلة قد تختلف عن تلك الشائعة في مجتمعات أخرى وحتى
كذلك ضمن المجتمع الواحد.والمشكلات النفسية قد تنجم عن التدخل في كثير
من الأحيان في كل كبيرة وصغيرة في الحياة الأسرية كتعويض عن الإحساس
بفقدان الدور المهني أو حتى الأسري بعد أن كبر الأولاد واستقلوا بحياتهم
الخاصة، أو كردة فعل على إحساس الكبير بالسن أن المحيطين به يريدون أن
يمارسوا الوصاية عليه ويملون عليه أسلوب حياته وتصرفاته ويراقبونه في
طعامه إذا كان مريضاً بالسكري مثلاً أو في حركاته إذا كان مريضاً بالقلب
…الخ ويتصرفون معه ،عن طيب نية ،وكأنهم أدرى منه بمصلحته وصحته وبالتالي
يمكن لسوء الفهم لطبيعة هذه المرحلة العمرية أن يزيد هذه المشكلات
ويفاقمها. وهنا يغلب أن يقف المحيطون بالمسن موقفا عاجزا في التعامل معه
فتارة يشعرون بالوصاية عليه وتارة يريدونه أن يستقل بحياته عنهم ، ومرة
لا يريدونه التدخل في شؤونهم ومرة أخرى يريدونه أن يسهم في ذلك.
وهناك بعض الأمور التي لابد من مراعاتها في التعامل مع المسن إذا ما أردنا تجنب الكثير من سوء الفهم وحصول خلافات أسرية منها:
صون الكرامة
: من أهم المبادئ في التعامل مع الكبير في السن هو الحفاظ على كرامة
المسن وعدم الوصاية عليه كي يحافظ على احترامه لذاته. إن من يعامل الكبير
في السن كالطفل عليه ألاّ يتعجب عندما يتصرف المسن بشكل طفولي أيضاً.
.المحافظة على الاستقلالية :
ينبغي تشجيع المسن على الاستقلالية وجعله يقوم بأموره الشخصية وينظم
أموره بالطريقة التي يرغبها وتشجيعه على الإسهام بمساعدة الأسرة بشكل
يتناسب مع وضعه الصحي. إن رفض أي مساعدة أو عمل يريد المسن القيام به بحجة
الحفاظ على صحته يجعل إحساس المسن بالعزلة وعدم القيمة يزداد. فلابد من
تشجيعهم على القيام بالأمور التي يستطيعون القيام بها بما يتناسب مع وضعهم
الصحي والاعتراف بالجميل والفضل لمساعدتهم ولو كانت بسيطة.
الصبر :
يغلب أن يعارض الكبار في السن الآخرين في الرأي ويتدخلون في الأمور
الشخصية وقد يرتكبون بعض الأخطاء . فلا بد هنا من إبداء الصبر والتفهم
والاحترام لآرائهم وعدم إبداء التذمر مما يطرحونه .
المناقشة الصريحة: وتعني المناقشة الصريحة شرح الموقف للمسن بوضوح مع مراعاة موقفه والبحث عن الحلول الوسط التي تجعل من الحياة المشتركة ممكنة.
التشجيع والدعم:
تشجيع المسن على الحفاظ على علاقاته الاجتماعية وتنميتها. فمن الثابت
اليوم أن بناء شبكة من العلاقات الاجتماعية في وقت مبكر والحفاظ عليها
ورعايتها يسهم بمقدار كبير في خفض حدة المشكلات النفسية والجسدية في مرحلة
الكبر.
ولابد دائما من تذكر أن صغار اليوم هم كبار المستقبل، فعامل الكبير في السن كما تحب أن يعاملك أولادك في المستقبل.
منقول للفائدة
الدكتور سامر جميل رضوان
يشكل الكبار في السن فئة يزداد عددها باستمرار بسبب التحسن في الرعاية الصحية وانعكاس ذلك على ارتفاع متوسط الأعمار.
ومع هذا
الارتفاع في متوسط الأعمار أخذت الفترة الحياتية في مرحلة ما بعد التقاعد
تصبح فترة زمنية طويلة نسبيا يمكن للمرء القيام فيها بنشاطات متنوعة
كانت تحول مشاغل الحياة دون تحقيقها في السابق كالرحلات وتنمية الهوايات
المتناسبة مع السن والتفرغ للعلاقات الاجتماعية أو حتى إنجاز أعمال
إبداعية سواء كانت أدبية أم علمية . فمن المعروف أن كثير كبار الكتاب
والمبدعين قد أنجزوا أعمالهم الضخمة في المراحل المتأخرة من العمر بعد أن
تكون الخبرة والمعرفة قد نضجت وأصبحت في ذروتها .ومن هنا فإن الحديث عن
بعض الصعوبات الصحية التي يعاني منها الكبار في السن نتيجة هذه المرحلة
العمرية قد بولغ أكثر من اللازم في السابق و يجب ألاّ ينسينا الجوانب
الإيجابية التي تتمتع فيها هذه الفترة الحياتية.
ومع
ذلك فهناك مجموعة من المشكلات الناجمة عن طبيعة هذه السن لابد من فهمها
الفهم المناسب التي تشكل التغيرات الجسدية والنفسية جزءاً منها ، إلى
جانب التغيرات العامة التي يحملها الكبر معه .فالأمراض الجسدية تزداد في
هذه السن ، وهناك مجموعة من الأمراض الجسدية المألوفة في هذه السن كالسكري
المتأخر وآلام القلب والدورة الدموية والأرق
(
اضطرابات النوم) والشعور بالدوار وضعف الذاكرة والسمع والبصر والسرعة في
التعب. ولابد لكل من يتعامل مع الكبير في السن أن يفهم هذه التغيرات
ويستفسر من الطبيب عنها كى يستطيع التعامل معه والاهتمام به. وإلى جانب هذه
التبدلات هناك مجموعة من التبدلات النفسية التي تترافق مع التبدلات
الجسدية فيغدو المسنون غير راضيين عن أنفسهم ويشعرون بالعزلة والاستبعاد
والنسيان من محيطهم وخصوصاً عندما يكبر الأولاد ويؤسسون لأنفسهم أسرتهم
الخاصة ويغرقون بمشاغل حياتهم، كما ويمكن لفقدان الأصدقاء وشريك العمر أن
يؤثر بشكل سلبي على التكيف.
وقد
تتفاقم هذه المشكلات بسبب الصعوبات التي تعانيها كثير من الأسر في
الاهتمام ورعاية المسنين، نتيجة لأسباب كثيرة ومتنوعة يمكن تلخيصها
بالنقطتين التاليتين:
التبدل الحاصل في بنية الأسرة :
سيادة نمط الأسرة الصغيرة مقابل الأسرة الكبيرة. ففي الماضي كانت الأسرة
تضم عدة أجيال متعاقبة في منزل واحد.في حين أن ظروف الحياة الراهنة قلما
تتيح مثل هذه الإمكانية وخصوصاً في المدن الكبيرة التي يطمح فيها أفرادها
بالاستقلال في السكن . هذا بالإضافة إلى تعقد ظروف السكن وصعوبتها والتي
أصبحت لا تسمح باستيعاب عدد كبير من الأشخاص في منزل واحد.
ازدياد عدد النساء العاملات اللواتي كن في الماضي يقمن بدور الرعاية
للمسن وبالتالي وجود صعوبة في وجود شخص يهتم بالمسن ويرعاه.الأمر الذي قاد
في كثير من دول العالم إلى تأسيس مؤسسات متخصصة، كدور المسنين ، تحل شيئا
فشيئا محل الأسرة في رعاية المسنين في الحالات التي لا تستطيع فيها
الأسرة القيام بهذا العمل.
وفي
مجتمعنا مازال الكبار في السن يلعبون دورا كبيرا في الحياة الأسرية
ويسهمون بفاعلية في تقرير مصير الأفراد ويظل تدبير أمور الأسرة من واجباتهم
التي لا يرضون بالتنازل عنها. ويختلف الأمر باختلاف الظروف الاجتماعية
والاقتصادية للأسرة ، وبالتالي فإن نوعية المشكلات النفسية التي قد يعاني
منها المسنون في هذه المرحلة قد تختلف عن تلك الشائعة في مجتمعات أخرى وحتى
كذلك ضمن المجتمع الواحد.والمشكلات النفسية قد تنجم عن التدخل في كثير
من الأحيان في كل كبيرة وصغيرة في الحياة الأسرية كتعويض عن الإحساس
بفقدان الدور المهني أو حتى الأسري بعد أن كبر الأولاد واستقلوا بحياتهم
الخاصة، أو كردة فعل على إحساس الكبير بالسن أن المحيطين به يريدون أن
يمارسوا الوصاية عليه ويملون عليه أسلوب حياته وتصرفاته ويراقبونه في
طعامه إذا كان مريضاً بالسكري مثلاً أو في حركاته إذا كان مريضاً بالقلب
…الخ ويتصرفون معه ،عن طيب نية ،وكأنهم أدرى منه بمصلحته وصحته وبالتالي
يمكن لسوء الفهم لطبيعة هذه المرحلة العمرية أن يزيد هذه المشكلات
ويفاقمها. وهنا يغلب أن يقف المحيطون بالمسن موقفا عاجزا في التعامل معه
فتارة يشعرون بالوصاية عليه وتارة يريدونه أن يستقل بحياته عنهم ، ومرة
لا يريدونه التدخل في شؤونهم ومرة أخرى يريدونه أن يسهم في ذلك.
وهناك بعض الأمور التي لابد من مراعاتها في التعامل مع المسن إذا ما أردنا تجنب الكثير من سوء الفهم وحصول خلافات أسرية منها:
صون الكرامة
: من أهم المبادئ في التعامل مع الكبير في السن هو الحفاظ على كرامة
المسن وعدم الوصاية عليه كي يحافظ على احترامه لذاته. إن من يعامل الكبير
في السن كالطفل عليه ألاّ يتعجب عندما يتصرف المسن بشكل طفولي أيضاً.
.المحافظة على الاستقلالية :
ينبغي تشجيع المسن على الاستقلالية وجعله يقوم بأموره الشخصية وينظم
أموره بالطريقة التي يرغبها وتشجيعه على الإسهام بمساعدة الأسرة بشكل
يتناسب مع وضعه الصحي. إن رفض أي مساعدة أو عمل يريد المسن القيام به بحجة
الحفاظ على صحته يجعل إحساس المسن بالعزلة وعدم القيمة يزداد. فلابد من
تشجيعهم على القيام بالأمور التي يستطيعون القيام بها بما يتناسب مع وضعهم
الصحي والاعتراف بالجميل والفضل لمساعدتهم ولو كانت بسيطة.
الصبر :
يغلب أن يعارض الكبار في السن الآخرين في الرأي ويتدخلون في الأمور
الشخصية وقد يرتكبون بعض الأخطاء . فلا بد هنا من إبداء الصبر والتفهم
والاحترام لآرائهم وعدم إبداء التذمر مما يطرحونه .
المناقشة الصريحة: وتعني المناقشة الصريحة شرح الموقف للمسن بوضوح مع مراعاة موقفه والبحث عن الحلول الوسط التي تجعل من الحياة المشتركة ممكنة.
التشجيع والدعم:
تشجيع المسن على الحفاظ على علاقاته الاجتماعية وتنميتها. فمن الثابت
اليوم أن بناء شبكة من العلاقات الاجتماعية في وقت مبكر والحفاظ عليها
ورعايتها يسهم بمقدار كبير في خفض حدة المشكلات النفسية والجسدية في مرحلة
الكبر.
ولابد دائما من تذكر أن صغار اليوم هم كبار المستقبل، فعامل الكبير في السن كما تحب أن يعاملك أولادك في المستقبل.
منقول للفائدة
الموضوعالأصلي : كبار السن ورعايتهم النفسية المصدر : شبكة ومنتديات شباب الجزائر الكاتب:YOUCEF SAIDANI