التوازن بين اللين والشدة في تربية الطفل
تكريم الطفل والإحسان إليه وإشعاره بالحب والحنان وإشعاره بمكانته الاجتماعية
وبانه مقبول عند والديه وعند المجتمع ، يجب أن لا يتعدى الحدود
إلى درجة الافراط في كل ذلك ، وأن لا تترك له الحرية المطلقة في أن يعمل ما يشاء ،
فلابد من وضع منهج متوازن في التصرف معه من قبل الوالدين ، فلا يتساهلا معه إلى أقصى حدود التساهل ،
ولا أن يعنّف على كل شئ يرتكبه ، فلا بد أن يكون اللين وتكون الشدة في حدودهما ،
ويكون الاعتدال بينهما هو الحاكم على الموقف منه حتى يجتاز مرحلة الطفولة بسلام واطمئنان ،
يميز بين السلوك المحبوب والسلوك المنبوذ ، لان السنين الخمسة الأولى أو الستة من الحياة هي التي تكون نمط شخصيته .
وقد أكدت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : " شر الآباء من دعاه البر إلى الإفراط . . ".
وفي حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية ، على الوالدين أن يشعرا الطفل بأضرار هذه المخالفة
وإقناعه بالاقلاع عنها ،
فإذا لم ينفع الاقناع واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدني ،
والعقوبة العاطفية خير من العقوبة البدنية كما أجاب الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام )
حينما سئل عن كيفية التعامل مع الطفل فقال : " لا تضربه واهجره . . . ولا تطل ".
فالإمام لا يدعو إلى اللين والتساهل مع الطفل في حالة تكرار الأخطاء ،
كما لا يدعو إلى استمرار العقوبة العاطفية وهي الهجر ،
وإنما يدعو إلى الاعتدال والتوازن بين اللين والشدة .
والإفراط أو التفريط يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الطفل من جميع الجوانب العقلية والعاطفية والخلقية .
ويجب في ضوء المنهج التربوي السليم أن يحدث التوازن بين المدح والتأنيب ،
فالمدح الزائد كالتأنيب الزائد يؤثر على التوازن الانفعالي للطفل ، ويجعله مضطربا قلقا ،
فالطفل ( الناشئ في ظل الرأفة الزائدة لا يطيق المقاومة أمام تقلبات الحياة ، ولا يستطيع الصراع معها ).
ويتأخر النضوج العاطفي عند الطفل المدلل ، ( وتطول فترة الطفولة لديه ).
فيبقى محتاجا لوالديه في كل المواقف التي تواجهه وتستمر هذه الحالة معه حتى في كبره ،
فنجد في واقعنا الاجتماعي أطفالا أو كبارا ينتظرون من المجتمع ان يلبي مطالبهم أو يؤيد آرائهم ، أو يمدحهم ويثني عليهم ،
فهم لا يستطيعون مواجهة المشاكل التي تقف في طريق تلبية طموحاتهم ،
ونفس الكلام يأتي في سلوك الطفل المنبوذ أو المتعرض للإهانات أو التأنيب الزائد من قبل والديه
ومحاسبته على كل شئ يصدر منه ،
كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " الافراط في الملامة يشب نيران اللجاج ".
ولذا نجد في المجتمع أن الأحداث المنحرفين المتصفين بصفات عدوانية اتجاه الآخرين كانوا معرضين للإهانات والعقوبات المستمرة .
وعلى الوالدين أن يضعوا للأطفال برنامجا يوضحون لهم المحبوب والمذموم من الاعمال ،
ويكون المدح أو التأنيب منصبا على العمل المرتكب ، لكي نزرع في قلوبهم حب الأعمال الصالحة وبغض الاعمال غير الصالحة ،
وأن تعمل على تقوية الضمير في نفس الطفل في هذه المرحلة حتى يكون صماما له في المستقبل
فنزرع في قلبه الخوف من ارتكاب العمل غير الصالح والشوق إلى العمل الصالح ،
بدلا من الخوف من العقوبة أو الشوق إلى المدح والاطراء ،
وعلى الوالدين أن يجعلوا المدح أو التأنيب خالصا من أجل تربية الأطفال ، وان لا يعكسوا أوضاعهم النفسية في التربية ،
كمن يواجه مشكلة فيصب غضبه على الطفل دون أي مبرر .
وفي هذا الصدد ( نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الأدب عند الغضب ).
وهنالك بعض الحالات يجب على الوالدين الانتباه إليها لكي لا تأتي على عقل الطفل وعواطفه بآثار عكسية ،
فمثلا يقوم الطفل بكسر شئ ثمين فيصيبه الفرح لأنه يرى نفسه قد أقدم على شئ جميل بأن حول هذا الشئ إلى شيئين عن طريق عملية الكسر ،
فهو يحتاج في نظره إلى مدح وثناء ، وهنا تأتي بدلا من المدح العقوبة فيتفاجأ الطفل ،
وتكون للعقوبة تأثيراتها النفسية عليه .
وفي حالات أخرى يكون الطفل بحاجة إلى التأنيب أو الذم أو الهجران أو العقوبة البدنية أحيانا
كما يقول الدكتور سپوك : ( إن الأطفال في معظم الأحوال يفرحون لأن الوالد قد وضع حدا لوقاحتهم ).
والطفل في حالة مرضه بحاجة إلى الرعاية المتوازنة فلا إفراط ولا تفريط ، فلا اهتمام زائد ولا عدم اهتمام ،
والتوازن أفضل ، وهو اشعاره بالاهتمام في حدوده المعقولة
لان ( طريقة المبالغة التي تتبعها الأمهات عندما يصاب أطفالهن بالمرض تؤثر على نفسية الطفل في الكبر
. . . يخلق منه طفلا مكتئبا كثير الشكوى سريع الانفعال ).
ويجب مراعاة وحدة الأسلوب التربوي من قبل الوالدين ،
والاتفاق على منهج واحد من أجل أن يتعرف الطفل على الصواب والخطأ في سلوكه ،
فلو استخدم الأب التأنيب مع الطفل لخطأ معين ، فعلى الأم ان لا تخالف الأب في ذلك ،
وكذا الحال في المدح
لأن ( الاضطرابات السلوكية والأمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين
. . . كتناقضات أسلوب المعاملة ، كالتذبذب بين التسامح والشدة
. . . والتدليل والاهمال ،
وتكون نتيجة هذه التطورات إما خلق روح العدوان والجنوح وبرود العاطفة والاحباط والوسواس من ناحية
أو المغالاة في الاعتماد على الغير والسلوك المدلل وضعف الشخصية من ناحية أخرى )
الموضوعالأصلي : التوازن بين اللين والشدة في تربية الطفل المصدر : شبكة ومنتديات شباب الجزائر الكاتب:YOUCEF SAIDANI