[size=12]أخرج البخاري عَنِ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم
قَالَ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ
اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى
نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ، ثُمَّ قَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ عَلَى
قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ
العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ
هُمْ، فَغَضِبَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ
عَمَلًا، وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟
قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَذَلِكَ، فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ».
- وفي رواية: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ،
كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ
وَمَثَلُ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ
عُمَّالًا...» الحديث.
وأخرج البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله
عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى
كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا
إِلَى اللَّيْلِ، عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ
النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ
لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا،
أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلًا،
فَأَبَوْا، وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ
لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا وَلَكُمَا الَّذِي
شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ
صَلاَةِ العَصْرِ، قَالاَ: لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ
الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ
عَمَلِكُمَا مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَيَا،
وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ،
فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ،
وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ،
وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ».
1- شرح الحديث وبيان المثل:
من رحمة الله تعالى وتكريمه لأمة محمد صلي الله عليه وسلم أن جعلهم خير أمة
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، ومع
تأخرهم في الزمان وجودا فقد جعلهم الله السابقين إلى الجنان خلودا، كما في
الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ
السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ
مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا (يعني يوم الجمعة) يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ
عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا
فِيهِ تَبَعٌ، اليَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ»، ولكي يوضح
النبي صلي الله عليه وسلم هذا الفضل ضرب صلي الله عليه وسلم في هذين الحديث
ثلاثة أمثلة:
أحدها: في مقدار مدة أمته، من سائر الأمم، وهو
قوله صلي الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ
الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ»، فهذه
نسبة مدة أمته من نسبة مدة سائر الأمم، كنسبة مدة ما بين العصر إلى المغرب
من نسبة مدة جميع النهار، وذلك نحو الربع تقريبا، وهي آخر الأمم، وما بينها
وبين قيام الساعة وانقضاء الدنيا إلا وقت يسير، فقد أخرج البخاري في صحيحه
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهم، صَاحِبِ رَسُولِ
اللَّهِ صلي الله عليه وسلم، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه
وسلم: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَوْ
كَهَاتَيْنِ» وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى.
والمثل الثاني: في مقدار زيادة أجور أمته،
بالنسبة إلى أجور أهل الكتاب من اليهود والنصارى. وهو قوله: «مَثَلُكُمْ
وَمَثَلُ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ»
إلى آخر الحديث. فمع أن مدة عمل هذه الأمة أقصر ومقدار عملهم أقل فإن الأجر
الذي تفضل الله به عليهم أكبر وأعظم، حتى إنه يبلغ ضعفي أجور الأمم
السابقة، ولا محل لاعتراض أهل الكتاب على ذلك، إذ الله تعالى هو الذي يحدد
أجور الأعمال. وشبه النبي صلي الله عليه وسلم ذلك برجل استأجر جماعة
ليعملوا مدة بأجر محدد، ثم استأجر آخرين ليعملوا مدة أخرى بذات الأجر، ثم
استأجر آخرين ليعملوا مدة أقل بضعف الأجر الذي اتفق عليه مع المجموعتين
الأوليين، فإذا اعترضتا على ذلك لم يكن لاعتراضهما وجه؛ لأنه وفَّى لهم بما
استأجرهم عليه، وتضعيفه الأجر لغيرهم محضُ فضل منه لا يلزمه أن يفعله مع
الآخرين.
والمثل الثالث: في ثبوت الأجر لهذه الأمة
لإيمانها بنبيها صلي الله عليه وسلم وبمن سبقه من الأنبياء، وحبوط الأجر
لمن لم يؤمن من الأمم السابقة إلا بنبيه فقط، ورفض أن يؤمن بمن بعده، وهو
قوله صلي الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى
كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا
إِلَى اللَّيْلِ، عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ». وشبه النبي صلي الله عليه وسلم
ذلك برجل استأجر أجراء واشترط عليهم أن يعملوا له يوما كاملا إلي الليل،
فعملوا حتى انتصف النهار، ثم أبوا أن يستكملوا العمل، ورفضوا مطالبته لهم
باستكمال العمل ليحصلوا على الأجر، فأبو أن يستكملوا وقطعوا العمل، فلم
يستحقوا الأجر المشروط لهم، ذلك أن تمام الأجر يكون بتمام العمل، فاستأجر
آخرين وشرط عليهم أن يستكملوا ما بدأه الأولون إلى الليل ويأخذوا هم الأجر،
فعملوا حتى جاء وقت العصر فتوقفوا وامتنعوا من العمل، ورفضوا مطالبته
إياهم أن يستكملوا عملهم حسبما شرط عليهم، خصوصا وقد اقترب الليل، فأبوا
وقطعوا العمل، فلم يستحقوا الأجر المشروط لهم، فاستأجر آخرين ليتموا ما
بدأه الفريق الأول والثاني ويعملوا إلي الليل، فقبلوا وعملوا عملهم إلى
الليل، ووفوا بما اشترط عليهم، فاستحقوا الأجر كاملا؛ جزاء وفاقا على
وفائهم واستجابتهم.
فهكذا الذين آمنوا بموسى من اليهود، حتى إذا جاءهم عيسى ابن مريم كفروا به
وخالفوا أمر الله فيه، فبطل إيمانهم بموسى، وكذلك الذين آمنوا بعيسى من
النصارى، فلما بعث الله نبيه محمدا صلي الله عليه وسلم على وفق ما بشرهم به
عيسى عليه السلام {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ} [الصف: 6] لكنهم كفروا وخالفوا، فبطل إيمانهم بعيسى عليه
السلام، فأما المؤمنون بمحمد صلي الله عليه وسلم فقد آمنوا بموسى وعيسى
وسائر رسل الله واستمروا على ذلك إلى انقضاء الدنيا، فاستحقوا وحدهم القبول
من الله عز وجل.
وإنما ذكر في الحديث أهل الكتابين من اليهود والنصارى دون غيرهم؛ لأنهم
أقرب الأمم للمسلمين، وشرائعهم هي الشرائع التي أنزلها الله يرون كتبها
بأعينهم وإن كانت محرفة، وما زال المسلمون يرونهم ويعيشون بينهم، وما كان
ليضرب المثل بشيء غائب ويترك ما هو مشاهد.
2 - أجر من أسلم من أهل الكتاب:
لو أن أحدا من أهل الكتاب آمن بمحمد صلي الله عليه وسلم لكان له ضعفان من
الأجر، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ
بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ
إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ.
أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ
بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [القصص:
52 - 53]، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنِ
النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ
مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ، فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ
تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا
فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ، الَّذِي
كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم، فَلَهُ
أَجْرَانِ، وَالعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ، وَيَنْصَحُ
لِسَيِّدِهِ».
وأخرج أحمد والطبراني منْ حديث أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ
صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ
أَجْرُهُ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْنَا».
ويرى الإمام أبو جعفر الطحاوي في (شرح مشكل الآثار) أن الذي يؤتى أجره
مرتين هو من كان مؤمنا بعيسى من النصارى فحسب، ولا يدخل في ذلك من كان
يهوديا ودخل في الإسلام؛«لِأَنَّ دِينَ عِيسَى صلي الله عليه وسلم قَدْ
كَانَ طَرَأَ عَلَى دِينِ مُوسَى صلي الله عليه وسلم وَلَمْ يَتَّبِعْهُ,
فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ دِينِ مُوسَى صلي الله عليه وسلم, ثُمَّ اتَّبَعَ
النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم, وَقَدْ كَانَ قَبْلَ اتِّبَاعِهِ إِيَّاهُ
عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تَعَبَّدَهُ أَنْ يَكُونَ
عَلَيْهِ مِنْ دِينِ عِيسَى صلي الله عليه وسلم. وَعَقَلْنَا بِمَا
ذَكَرْنَا أَنَّ الَّذِي يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ بِإِيمَانِهِ كَانَ
بِنَبِيِّهِ , ثُمَّ بِإِيمَانِهِ كَانَ بِالنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم:
هُوَ الَّذِي أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى مَا
تُعُبِّدَ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ, وَهُوَ
عِيسَى صلي الله عليه وسلم, حَتَّى دَخَلَ مِنْهُ فِي دِينِ النَّبِيِّ صلي
الله عليه وسلم». وَاستدل الطحاوي لقوله هذا بما أخرجه مسلم من حَدِيثِ
عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: « ...
وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ
وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ثم قال : «
فَأَخْبَرَ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَقْتِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ عِنْدَنَا
-وَاللهُ أَعْلَم- الَّذِينَ بَقَوْا عَلَى مَا بُعِثَ بِهِ عِيسَى صلي
الله عليه وسلم مِمَّنْ لَمْ يُبَدِّلْهُ, وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ مَا
لَيْسَ مِنْهُ, وَبَقِيَ عَلَى مَا تَعَبَّدَهُ اللهُ عَلَيْهِ حَتَّى
قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ هَذَا الْقَوْلَ». ومع
وجاهة هذا القول فإن الذي يستريح له القلب بقاء الأمر على عمومه، وأنه يدخل
في ذلك اليهود والنصارى الذين آمنوا بموسى أو بعيسى صلي الله عليه وسلم،
ثم آمنوا بمحمد صلي الله عليه وسلم.
أما الذي كفر من أهل الكتاب بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم فهو مستوجب
للنار كسائر الكفار بمحمد صلي الله عليه وسلم، فقد أخرج مسلم عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ
قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ
مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ
وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّارِ».
قال النووي في شرحه على مسلم: «وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ
وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ
الْيَهُودَ النصارى لَهُمْ كِتَابٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ
أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى».
على أنه لا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن عيسى عليه السلام حين ينزل في آخر
الزمان فإنه ينزل مؤمنا بنبوة محمد صلي الله عليه وسلم وحاكما بشريعته، كما
في الحديث المتفق عليه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا،
فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ،
وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ».[/size]
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم
قَالَ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ
اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى
نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ، ثُمَّ قَالَ:
مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ عَلَى
قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ
العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ
هُمْ، فَغَضِبَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ
عَمَلًا، وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟
قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَذَلِكَ، فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ».
- وفي رواية: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ،
كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ
وَمَثَلُ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ
عُمَّالًا...» الحديث.
وأخرج البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله
عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى
كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا
إِلَى اللَّيْلِ، عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ
النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ
لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا،
أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلًا،
فَأَبَوْا، وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ
لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا وَلَكُمَا الَّذِي
شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ
صَلاَةِ العَصْرِ، قَالاَ: لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ
الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ
عَمَلِكُمَا مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَيَا،
وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ،
فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ،
وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ،
وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ».
1- شرح الحديث وبيان المثل:
من رحمة الله تعالى وتكريمه لأمة محمد صلي الله عليه وسلم أن جعلهم خير أمة
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، ومع
تأخرهم في الزمان وجودا فقد جعلهم الله السابقين إلى الجنان خلودا، كما في
الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ
السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ
مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا (يعني يوم الجمعة) يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ
عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا
فِيهِ تَبَعٌ، اليَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ»، ولكي يوضح
النبي صلي الله عليه وسلم هذا الفضل ضرب صلي الله عليه وسلم في هذين الحديث
ثلاثة أمثلة:
أحدها: في مقدار مدة أمته، من سائر الأمم، وهو
قوله صلي الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ
الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ»، فهذه
نسبة مدة أمته من نسبة مدة سائر الأمم، كنسبة مدة ما بين العصر إلى المغرب
من نسبة مدة جميع النهار، وذلك نحو الربع تقريبا، وهي آخر الأمم، وما بينها
وبين قيام الساعة وانقضاء الدنيا إلا وقت يسير، فقد أخرج البخاري في صحيحه
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهم، صَاحِبِ رَسُولِ
اللَّهِ صلي الله عليه وسلم، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه
وسلم: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَوْ
كَهَاتَيْنِ» وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى.
والمثل الثاني: في مقدار زيادة أجور أمته،
بالنسبة إلى أجور أهل الكتاب من اليهود والنصارى. وهو قوله: «مَثَلُكُمْ
وَمَثَلُ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ»
إلى آخر الحديث. فمع أن مدة عمل هذه الأمة أقصر ومقدار عملهم أقل فإن الأجر
الذي تفضل الله به عليهم أكبر وأعظم، حتى إنه يبلغ ضعفي أجور الأمم
السابقة، ولا محل لاعتراض أهل الكتاب على ذلك، إذ الله تعالى هو الذي يحدد
أجور الأعمال. وشبه النبي صلي الله عليه وسلم ذلك برجل استأجر جماعة
ليعملوا مدة بأجر محدد، ثم استأجر آخرين ليعملوا مدة أخرى بذات الأجر، ثم
استأجر آخرين ليعملوا مدة أقل بضعف الأجر الذي اتفق عليه مع المجموعتين
الأوليين، فإذا اعترضتا على ذلك لم يكن لاعتراضهما وجه؛ لأنه وفَّى لهم بما
استأجرهم عليه، وتضعيفه الأجر لغيرهم محضُ فضل منه لا يلزمه أن يفعله مع
الآخرين.
والمثل الثالث: في ثبوت الأجر لهذه الأمة
لإيمانها بنبيها صلي الله عليه وسلم وبمن سبقه من الأنبياء، وحبوط الأجر
لمن لم يؤمن من الأمم السابقة إلا بنبيه فقط، ورفض أن يؤمن بمن بعده، وهو
قوله صلي الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى
كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا
إِلَى اللَّيْلِ، عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ». وشبه النبي صلي الله عليه وسلم
ذلك برجل استأجر أجراء واشترط عليهم أن يعملوا له يوما كاملا إلي الليل،
فعملوا حتى انتصف النهار، ثم أبوا أن يستكملوا العمل، ورفضوا مطالبته لهم
باستكمال العمل ليحصلوا على الأجر، فأبو أن يستكملوا وقطعوا العمل، فلم
يستحقوا الأجر المشروط لهم، ذلك أن تمام الأجر يكون بتمام العمل، فاستأجر
آخرين وشرط عليهم أن يستكملوا ما بدأه الأولون إلى الليل ويأخذوا هم الأجر،
فعملوا حتى جاء وقت العصر فتوقفوا وامتنعوا من العمل، ورفضوا مطالبته
إياهم أن يستكملوا عملهم حسبما شرط عليهم، خصوصا وقد اقترب الليل، فأبوا
وقطعوا العمل، فلم يستحقوا الأجر المشروط لهم، فاستأجر آخرين ليتموا ما
بدأه الفريق الأول والثاني ويعملوا إلي الليل، فقبلوا وعملوا عملهم إلى
الليل، ووفوا بما اشترط عليهم، فاستحقوا الأجر كاملا؛ جزاء وفاقا على
وفائهم واستجابتهم.
فهكذا الذين آمنوا بموسى من اليهود، حتى إذا جاءهم عيسى ابن مريم كفروا به
وخالفوا أمر الله فيه، فبطل إيمانهم بموسى، وكذلك الذين آمنوا بعيسى من
النصارى، فلما بعث الله نبيه محمدا صلي الله عليه وسلم على وفق ما بشرهم به
عيسى عليه السلام {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ} [الصف: 6] لكنهم كفروا وخالفوا، فبطل إيمانهم بعيسى عليه
السلام، فأما المؤمنون بمحمد صلي الله عليه وسلم فقد آمنوا بموسى وعيسى
وسائر رسل الله واستمروا على ذلك إلى انقضاء الدنيا، فاستحقوا وحدهم القبول
من الله عز وجل.
وإنما ذكر في الحديث أهل الكتابين من اليهود والنصارى دون غيرهم؛ لأنهم
أقرب الأمم للمسلمين، وشرائعهم هي الشرائع التي أنزلها الله يرون كتبها
بأعينهم وإن كانت محرفة، وما زال المسلمون يرونهم ويعيشون بينهم، وما كان
ليضرب المثل بشيء غائب ويترك ما هو مشاهد.
2 - أجر من أسلم من أهل الكتاب:
لو أن أحدا من أهل الكتاب آمن بمحمد صلي الله عليه وسلم لكان له ضعفان من
الأجر، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ
بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ
إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ.
أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ
بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [القصص:
52 - 53]، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنِ
النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ
مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ، فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ
تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا
فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ، الَّذِي
كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم، فَلَهُ
أَجْرَانِ، وَالعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ، وَيَنْصَحُ
لِسَيِّدِهِ».
وأخرج أحمد والطبراني منْ حديث أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ
صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ
أَجْرُهُ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْنَا».
ويرى الإمام أبو جعفر الطحاوي في (شرح مشكل الآثار) أن الذي يؤتى أجره
مرتين هو من كان مؤمنا بعيسى من النصارى فحسب، ولا يدخل في ذلك من كان
يهوديا ودخل في الإسلام؛«لِأَنَّ دِينَ عِيسَى صلي الله عليه وسلم قَدْ
كَانَ طَرَأَ عَلَى دِينِ مُوسَى صلي الله عليه وسلم وَلَمْ يَتَّبِعْهُ,
فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ دِينِ مُوسَى صلي الله عليه وسلم, ثُمَّ اتَّبَعَ
النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم, وَقَدْ كَانَ قَبْلَ اتِّبَاعِهِ إِيَّاهُ
عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تَعَبَّدَهُ أَنْ يَكُونَ
عَلَيْهِ مِنْ دِينِ عِيسَى صلي الله عليه وسلم. وَعَقَلْنَا بِمَا
ذَكَرْنَا أَنَّ الَّذِي يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ بِإِيمَانِهِ كَانَ
بِنَبِيِّهِ , ثُمَّ بِإِيمَانِهِ كَانَ بِالنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم:
هُوَ الَّذِي أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى مَا
تُعُبِّدَ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ, وَهُوَ
عِيسَى صلي الله عليه وسلم, حَتَّى دَخَلَ مِنْهُ فِي دِينِ النَّبِيِّ صلي
الله عليه وسلم». وَاستدل الطحاوي لقوله هذا بما أخرجه مسلم من حَدِيثِ
عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: « ...
وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ
وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ثم قال : «
فَأَخْبَرَ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَقْتِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ عِنْدَنَا
-وَاللهُ أَعْلَم- الَّذِينَ بَقَوْا عَلَى مَا بُعِثَ بِهِ عِيسَى صلي
الله عليه وسلم مِمَّنْ لَمْ يُبَدِّلْهُ, وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ مَا
لَيْسَ مِنْهُ, وَبَقِيَ عَلَى مَا تَعَبَّدَهُ اللهُ عَلَيْهِ حَتَّى
قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ هَذَا الْقَوْلَ». ومع
وجاهة هذا القول فإن الذي يستريح له القلب بقاء الأمر على عمومه، وأنه يدخل
في ذلك اليهود والنصارى الذين آمنوا بموسى أو بعيسى صلي الله عليه وسلم،
ثم آمنوا بمحمد صلي الله عليه وسلم.
أما الذي كفر من أهل الكتاب بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم فهو مستوجب
للنار كسائر الكفار بمحمد صلي الله عليه وسلم، فقد أخرج مسلم عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ
قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ
مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ
وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّارِ».
قال النووي في شرحه على مسلم: «وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ
وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ
الْيَهُودَ النصارى لَهُمْ كِتَابٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ
أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى».
على أنه لا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن عيسى عليه السلام حين ينزل في آخر
الزمان فإنه ينزل مؤمنا بنبوة محمد صلي الله عليه وسلم وحاكما بشريعته، كما
في الحديث المتفق عليه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا،
فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ،
وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ».[/size]
الموضوعالأصلي : فضل الأمة على سائر الأمم 1-2 المصدر : شبكة ومنتديات شباب الجزائر الكاتب:FARFOUR DESIGNER