شباب الجزائر عازم على إزاحة نظامٍ حَكَم 49 عاماً
يتوقع
أن يسير الجزائريون اليوم من ساحة «أول ماي» إلى ساحة الشهداء للاحتجاج
على الأوضاع، والمطالبة بتغيير النظام، ورحيل رموزه. ويحاول الجزائريون
تكرار المشهد الذي شاهدناه ونشاهده في تونس ومصر. وأما محركهم الرئيسي فهي
الديموقراطية والانفتاح الإعلامي لتغيير صورة بلادهم، بنظرهم قبل كل شيء.
لقد
اعتقد الجزائريون بان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي جاءهم في العام
1999 قادما من الإمارات، بعد سنوات من الغربة، حاملا برنامجا للسلم الوطني
والمصالحة، سيكون المُخلص من نظام سيطر فيه العسكر على كل شيء، خاصة بعد أن
ألغى الجيش نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز فيها إسلاميو الجبهة
الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد عام 1992. لكن تبين لهم فيما بعد بأنهم
أخطأوا التقدير، ذلك أن الرئيس المنتخب حديثا (آنذاك) أصبح وزيرا للدفاع،
وعدّل الدستور، ليتمكن من ولاية ثالثة. وها هم الجزائريون يعيشون السنة
الحادية عشرة من حكمه.
«الحراقة»
صحيح أن الرئيس بوتفليقة ساهم
بشكل كبير في إقرار قانون المصالحة الوطنية، الذي كان الرئيس اليامين زروال
السبّاق إليه، وصحيح أيضا أن الجزائريين ينعمون اليوم بالأمن، مقارنة
بتسعينات القرن الماضي، لكن ما عدا ذلك لا شيء تغير، بل تعقدت الأمور أكثر
فأكثر.
فبينما تنعم الخزينة العمومية باحتياطي صرف يفوق 159 مليار
دولار، يعاني 30 % من الشباب الجزائري من البطالة، ومن حالفه الحظ في
العثور على وظيفة، فراتبه لا يكفي حتى لتوفير الأساسيات. فما بالك التفكير
في الزواج وتوفير سكن لأسرته؟!
أوضاع البلاد المتردية دفعت الشباب إلى
الهجرة السرية، فصار عديد منهم- ذكورا وإناثا - يغامرون بحياتهم للعبور إلى
الضفة الأخرى، منهم من مات ومنهم من نجح، ومنهم من يفاوض حتى اللحظة لحجز
مقعد آمن على أحد مراكب العصابات التي باتت متخصصة في نقل هؤلاء الشباب على
طول شواطئ وهران وعين تموشنت.
وأما مصطلح «الحراقة»، الذي بات لصيقا
بمانشيتات الصحف، فلم يعرفه الجزائريون إلا في السنوات القليلة الماضية، مع
انتشار الفساد. ففضائح مثل فضيحة بنك الخليفة، وفضيحة شركة سوناطراك التي
تورط فيها مسؤولون كبار، ومنهم وزير النفط السابق شكيب خليل، أشعلت شرارة
الرفض لدى الشارع الجزائري، الذي سئم من الإحباط ومن ضيق الأفق ومن تراجع
الحريات ومن استهزاء الإعلام الرسمي به.
إعلام السلطة
ففي
الجزائر لا يجد المسؤولون في التلفزيون الحكومي حرجا في أن تحتكر انجازات
ومشاريع «فخامة رئيس الجمهورية» النشرات الإخبارية على طول اليوم، رغم أنها
مشاريع لم توفر للمواطن شيئا كثيرا. حتى برنامج المليون سكن الذي روجت له
السلطات يبدو في نظر الجزائريين مجرد وهم، فهناك مئات الآلاف ممن ينتظرون
سكنا اجتماعيا منذ ثلاثين عاما.
وجه الإعلام الجزائري تغير تماما في عهد
بوتفليقة، وهو الذي أكد مرارا وتكرارا بأن التلفزيون لن يكون إلا حكوميا،
وأن فضاء الإعلام السمعي والمرئي مغلق وسيظل مغلقا إلى أمد غير معروف.
حتى
مكسب حرية الإعلام الذي جناه الجزائريون من ثورة أكتوبر 1988 ما عادت له
أي قيمة، فها هي صحيفة الخبر الأسبوعية التي عرفت بتخطيها الخطوط الحمر،
تغلق لأسباب قيل إنها مادية. وهاهي غالبية الأقلام الصحفية المعروفة
بمعارضتها للنظام، تقرر هجرة البلاد، بعد أن ضاقت بها الدنيا، وما عادت تجد
مساحات للتعبير عن رأيها بكل حرية.
ضغوط السلطة
تملك الدولة
وسائل عدة للتأثير في توجهات ومواقف الصحف اليومية، أبرزها المطابع، ذلك أن
صحيفتي الوطن والخبر فقط تملكان مطابع في وسط البلاد وشرقها، وما غيرهما
من الصحف فتطبع في مطابع الدولة التي تحتكر أيضا سوق الإعلانات، بواسطة
الوكالة الوطنية للإشهار. فهذه الوكالة توزع الإعلانات الحكومية على الصحف
التي تريد، وتمنعها عن الصحف غير المطيعة، إلى أن يتم ترويضها، وبالفعل
نجحت السلطة في ترويض أغلبية العناوين الصحفية.
أمام هذا التعتيم
الإعلامي لم يجد الجزائريون من متنفس إلا الانترنت للتعبير عن آرائهم، ليس
عن طريق المواقع الاجتماعية فقط، وإنما أيضا عن طريق إذاعات أطلقوها عبر
الشبكة، كإذاعة الكلمة التي تقدم نشرات إخبارية باللغات العربية والفرنسية
والامازيغية، وتفتح الباب لحوار شخصيات معارضة ما عادت تجد مساحة للتعبير
عن رأيها في الصحف المحلية.
رهان الثورة
يراهن الجزائريون على
ثورة التغيير التي يقولون إن أولى شراراتها ستكون تظاهرة مقررة اليوم، من
أبرز مطالبها: إلغاء حالة الطوارئ ورحيل الرئيس بوتفليقة وقيادات الجيش،
وكل المتورطين مع النظام منذ 1962، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية تخلص
البلاد من برلمان صار مختصا في رفع الأيادي للتصويت على قوانين تقترحها
الحكومة.
إنها مطالب شرعية ستحرر البلاد من قبضة شرذمة صارت تستبيح
ثروات البلاد في وقت لم يعد يتراءى فيه للشباب أي مستقبل. يقول البعض إن
ثورتي تونس ومصر لن تتكررا في الجزائر، ذلك أن الجزائريين منهكون من عشرية
الدم. لكن هؤلاء نسوا أن من ثاروا نهاية العام الماضي ضد موجة الغلاء هم
الجيل الجديد، الذي ولد بعد التسعينات. هذا الجيل الذي يرضع من حليب
الانترنت وفيه من القوة والطاقة ما يسمح بالتغيير ورفع حالة الطوارئ
والسماح لكل التيارات السياسية بالمشاركة مهما كانت توجهاتها السياسية.
معارضة مُفتّتة
نجح
النظام الجزائري في إفراغ المعارضة من محتواها، منذ أن أوقف المسار
الانتخابي في عام 1992: فحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومنع اعتماد عدة
أحزاب سياسية ترأسها شخصيات معروفة كأحمد طالب الإبراهيمي وسيد أحمد غزالي
وعمارة بن يونس. ودجن حزب جبهة التحرير الوطني، الذي حاد عن مواقف أمينه
العام السابق عبد الحميد مهري، وحركة مجتمع السلم-فرع الإخوان المسلمين-
التي باتت غير قادرة على الاصطفاف مع مطالب الشعب، بعد أن ذاقت طعم السلطة
وتعودت قياداتها على حمل الحقائب الوزارية والتمتع بريع الدولة، فيما غرقت
أحزاب سياسية أخرى في انشقاقات داخلية كالتجمع من أجل الثقافة،
والديموقراطية، وجبهة القوى الاشتراكية، وحركة النهضة. لكن ورغم هذا التفتت
ورغم عدم وجود معارضة قوية، تبدو حركة الشباب اليوم لافتة للانتباه وقادرة
على تسجيل نقاط عدة، ذلك أن من يقودها ويؤطرها شباب يتوقون إلى الحرية
والديموقراطية.
إنها البداية
من المتوقع أن لا تسمح السلطات
للمتظاهرين بتخطي نقطة البداية (ساحة أول ماي)، فالسلطات حشدت لقمع
التظاهرة نحو 25 ألف رجل أمن طوقوا العاصمة منذ الخميس الماضي. لكن الأكيد
أن الشباب سيكررون المحاولة مرات ومرات حتى تتحقق مطالبهم. والأكيد أيضا أن
هذه المظاهرة لن تكون الأخيرة بالنسبة لمن صار وقودهم القمع، ودافعهم
الحرية التي يحاصرها النظام منذ الاستقلال
.
يتوقع
أن يسير الجزائريون اليوم من ساحة «أول ماي» إلى ساحة الشهداء للاحتجاج
على الأوضاع، والمطالبة بتغيير النظام، ورحيل رموزه. ويحاول الجزائريون
تكرار المشهد الذي شاهدناه ونشاهده في تونس ومصر. وأما محركهم الرئيسي فهي
الديموقراطية والانفتاح الإعلامي لتغيير صورة بلادهم، بنظرهم قبل كل شيء.
لقد
اعتقد الجزائريون بان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي جاءهم في العام
1999 قادما من الإمارات، بعد سنوات من الغربة، حاملا برنامجا للسلم الوطني
والمصالحة، سيكون المُخلص من نظام سيطر فيه العسكر على كل شيء، خاصة بعد أن
ألغى الجيش نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز فيها إسلاميو الجبهة
الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد عام 1992. لكن تبين لهم فيما بعد بأنهم
أخطأوا التقدير، ذلك أن الرئيس المنتخب حديثا (آنذاك) أصبح وزيرا للدفاع،
وعدّل الدستور، ليتمكن من ولاية ثالثة. وها هم الجزائريون يعيشون السنة
الحادية عشرة من حكمه.
«الحراقة»
صحيح أن الرئيس بوتفليقة ساهم
بشكل كبير في إقرار قانون المصالحة الوطنية، الذي كان الرئيس اليامين زروال
السبّاق إليه، وصحيح أيضا أن الجزائريين ينعمون اليوم بالأمن، مقارنة
بتسعينات القرن الماضي، لكن ما عدا ذلك لا شيء تغير، بل تعقدت الأمور أكثر
فأكثر.
فبينما تنعم الخزينة العمومية باحتياطي صرف يفوق 159 مليار
دولار، يعاني 30 % من الشباب الجزائري من البطالة، ومن حالفه الحظ في
العثور على وظيفة، فراتبه لا يكفي حتى لتوفير الأساسيات. فما بالك التفكير
في الزواج وتوفير سكن لأسرته؟!
أوضاع البلاد المتردية دفعت الشباب إلى
الهجرة السرية، فصار عديد منهم- ذكورا وإناثا - يغامرون بحياتهم للعبور إلى
الضفة الأخرى، منهم من مات ومنهم من نجح، ومنهم من يفاوض حتى اللحظة لحجز
مقعد آمن على أحد مراكب العصابات التي باتت متخصصة في نقل هؤلاء الشباب على
طول شواطئ وهران وعين تموشنت.
وأما مصطلح «الحراقة»، الذي بات لصيقا
بمانشيتات الصحف، فلم يعرفه الجزائريون إلا في السنوات القليلة الماضية، مع
انتشار الفساد. ففضائح مثل فضيحة بنك الخليفة، وفضيحة شركة سوناطراك التي
تورط فيها مسؤولون كبار، ومنهم وزير النفط السابق شكيب خليل، أشعلت شرارة
الرفض لدى الشارع الجزائري، الذي سئم من الإحباط ومن ضيق الأفق ومن تراجع
الحريات ومن استهزاء الإعلام الرسمي به.
إعلام السلطة
ففي
الجزائر لا يجد المسؤولون في التلفزيون الحكومي حرجا في أن تحتكر انجازات
ومشاريع «فخامة رئيس الجمهورية» النشرات الإخبارية على طول اليوم، رغم أنها
مشاريع لم توفر للمواطن شيئا كثيرا. حتى برنامج المليون سكن الذي روجت له
السلطات يبدو في نظر الجزائريين مجرد وهم، فهناك مئات الآلاف ممن ينتظرون
سكنا اجتماعيا منذ ثلاثين عاما.
وجه الإعلام الجزائري تغير تماما في عهد
بوتفليقة، وهو الذي أكد مرارا وتكرارا بأن التلفزيون لن يكون إلا حكوميا،
وأن فضاء الإعلام السمعي والمرئي مغلق وسيظل مغلقا إلى أمد غير معروف.
حتى
مكسب حرية الإعلام الذي جناه الجزائريون من ثورة أكتوبر 1988 ما عادت له
أي قيمة، فها هي صحيفة الخبر الأسبوعية التي عرفت بتخطيها الخطوط الحمر،
تغلق لأسباب قيل إنها مادية. وهاهي غالبية الأقلام الصحفية المعروفة
بمعارضتها للنظام، تقرر هجرة البلاد، بعد أن ضاقت بها الدنيا، وما عادت تجد
مساحات للتعبير عن رأيها بكل حرية.
ضغوط السلطة
تملك الدولة
وسائل عدة للتأثير في توجهات ومواقف الصحف اليومية، أبرزها المطابع، ذلك أن
صحيفتي الوطن والخبر فقط تملكان مطابع في وسط البلاد وشرقها، وما غيرهما
من الصحف فتطبع في مطابع الدولة التي تحتكر أيضا سوق الإعلانات، بواسطة
الوكالة الوطنية للإشهار. فهذه الوكالة توزع الإعلانات الحكومية على الصحف
التي تريد، وتمنعها عن الصحف غير المطيعة، إلى أن يتم ترويضها، وبالفعل
نجحت السلطة في ترويض أغلبية العناوين الصحفية.
أمام هذا التعتيم
الإعلامي لم يجد الجزائريون من متنفس إلا الانترنت للتعبير عن آرائهم، ليس
عن طريق المواقع الاجتماعية فقط، وإنما أيضا عن طريق إذاعات أطلقوها عبر
الشبكة، كإذاعة الكلمة التي تقدم نشرات إخبارية باللغات العربية والفرنسية
والامازيغية، وتفتح الباب لحوار شخصيات معارضة ما عادت تجد مساحة للتعبير
عن رأيها في الصحف المحلية.
رهان الثورة
يراهن الجزائريون على
ثورة التغيير التي يقولون إن أولى شراراتها ستكون تظاهرة مقررة اليوم، من
أبرز مطالبها: إلغاء حالة الطوارئ ورحيل الرئيس بوتفليقة وقيادات الجيش،
وكل المتورطين مع النظام منذ 1962، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية تخلص
البلاد من برلمان صار مختصا في رفع الأيادي للتصويت على قوانين تقترحها
الحكومة.
إنها مطالب شرعية ستحرر البلاد من قبضة شرذمة صارت تستبيح
ثروات البلاد في وقت لم يعد يتراءى فيه للشباب أي مستقبل. يقول البعض إن
ثورتي تونس ومصر لن تتكررا في الجزائر، ذلك أن الجزائريين منهكون من عشرية
الدم. لكن هؤلاء نسوا أن من ثاروا نهاية العام الماضي ضد موجة الغلاء هم
الجيل الجديد، الذي ولد بعد التسعينات. هذا الجيل الذي يرضع من حليب
الانترنت وفيه من القوة والطاقة ما يسمح بالتغيير ورفع حالة الطوارئ
والسماح لكل التيارات السياسية بالمشاركة مهما كانت توجهاتها السياسية.
معارضة مُفتّتة
نجح
النظام الجزائري في إفراغ المعارضة من محتواها، منذ أن أوقف المسار
الانتخابي في عام 1992: فحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومنع اعتماد عدة
أحزاب سياسية ترأسها شخصيات معروفة كأحمد طالب الإبراهيمي وسيد أحمد غزالي
وعمارة بن يونس. ودجن حزب جبهة التحرير الوطني، الذي حاد عن مواقف أمينه
العام السابق عبد الحميد مهري، وحركة مجتمع السلم-فرع الإخوان المسلمين-
التي باتت غير قادرة على الاصطفاف مع مطالب الشعب، بعد أن ذاقت طعم السلطة
وتعودت قياداتها على حمل الحقائب الوزارية والتمتع بريع الدولة، فيما غرقت
أحزاب سياسية أخرى في انشقاقات داخلية كالتجمع من أجل الثقافة،
والديموقراطية، وجبهة القوى الاشتراكية، وحركة النهضة. لكن ورغم هذا التفتت
ورغم عدم وجود معارضة قوية، تبدو حركة الشباب اليوم لافتة للانتباه وقادرة
على تسجيل نقاط عدة، ذلك أن من يقودها ويؤطرها شباب يتوقون إلى الحرية
والديموقراطية.
إنها البداية
من المتوقع أن لا تسمح السلطات
للمتظاهرين بتخطي نقطة البداية (ساحة أول ماي)، فالسلطات حشدت لقمع
التظاهرة نحو 25 ألف رجل أمن طوقوا العاصمة منذ الخميس الماضي. لكن الأكيد
أن الشباب سيكررون المحاولة مرات ومرات حتى تتحقق مطالبهم. والأكيد أيضا أن
هذه المظاهرة لن تكون الأخيرة بالنسبة لمن صار وقودهم القمع، ودافعهم
الحرية التي يحاصرها النظام منذ الاستقلال
.
الموضوعالأصلي : شباب الجزائر عازم على إزاحة نظامٍ حَكَم 49 عاماً المصدر : شبكة ومنتديات شباب الجزائر الكاتب:YOUCEF SAIDANI