وصايا رسول الله عليه الصلاة والسلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين،، أما بعد:
فإن
النبي -عليه صلوات الله وسلامه- قد بلغ البلاغ المبين، وقضى حياته الشريفة
في الدعوة إلى دين الله تعالى، فتوفاه ربه وقد أدى الأمانة ونصح الأمة
وجاهد في الله حق جهاده -صلى الله عليه وسلم-. وقد ترك لأمته وصايا عظيمة
وإرشادات مهمة ترشدهم إلى الطريق الصحيح والصراط المستقيم، وسنتطرق في
موضوعنا هذا إلى بعض تلك الوصايا وخاصة ما يتعلق بالوصايا الأخيرة من
حياته..
1- وصيته صلى الله عليه وسلم بالأنصار:
مر العباس -رضي الله عنه- بقوم من الأنصار يبكون حين اشتد برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعه، فقال لهم: "ما يبكيكم؟" قالوا: ذكرنا مجلسنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدخل العباس عليه -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فعُصِّب بعصابة دسماء (أي سوداء) أو قال: بحاشية برد، وخرج وصعد المنبر -ولم يصعد بعد ذلك اليوم- فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم).
2- إخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفد:
لقد
ازدادت شدة المرض على رسول الله، بحيث كان يغمى عليه في اليوم الواحد مرات
عديدة، ومع ذلك كله أحب -صلى الله عليه وسلم- أن يفارق الدنيا وهو مطمئن
على أمته أن تضل من بعده، فأراد أن يكتب لهم كتاباً مفصلاً ليجتمعوا عليه
ولا يتنازعوا، فلما اختلفوا عنده -صلى الله عليه وسلم- عدل عن كتابة ذلك
الكتاب وأوصاهم بأمور ثلاثة، ذكر الراوي منها اثنين ونسي الثالث:
* (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).
* (وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به).
3- النهي عن اتخاذ قبره مسجدًا:
عن
عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قالا: لما نزل برسول الله -صلى
الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو
كذلك يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا.
4- إحسان الظن بالله:
قال جابر -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل موته بثلاث: (أحسنوا الظن بالله عز وجل).
5- الوصية بالصلاة وملك اليمين (العبيد):
قال أنس -رضي الله عنه-: كانت عامة وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين حضره الموت: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه.
وقد
أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بعده برجل من المسلمين كان
عبداً ثم حرر، أن يرفقوا به ويجروا عليه النفقة إلى الوفاة.. فعن عبد الله
بن عمرو بن العاص أن زنباعاً أبا روح وجد غلاماً له مع جارية له فجدع أنفه
وجبَّه! فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (من فعل هذا بك؟) قال: زنباع، فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما حملك على هذا؟) فقال: كان من أمره كذا وكذا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للعبد: (اذهب فأنت حر) فقال: يا رسول الله فمولى من أنا؟ قال: (مولى الله ورسوله) فأوصى
به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين. قال: فلما قبض رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- جاء إلى أبي بكر فقال: وصية رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-. قال: نعم نجري عليك النفقة وعلى عيالك،
فأجراها عليه حتى قبض أبو بكر، فلما استخلف عمر جاءه فقال: وصية رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال: نعم أين تريد؟ قال: مصر، فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه أرضاً يأكلها".
6- مبشرات النبوة:
قال
عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
الستر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- معصوب في مرضه الذي مات فيه، فقال: (اللهم بلغت) ثلاث مرات، (إنه
لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا، يراها العبد الصالح أو ترى له، ألا
وإني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فإذا ركعتم فعظموا الله، وإذا
سجدتم فاجتهدوا في الدعاء، فإنه قمن (أي حري) أن يستجاب لكم)
7- الوصايا التي في سورة الأنعام:
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، أنه قال: "من سره أن ينظر إلى وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه فليقرأ: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ..} (151) سورة الأنعام.. إلى قوله: {..لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام.
وهذه الوصايا كما في الآيات من سورة الأنعام هي قوله تعالى: {قُلْ
تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ
بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ
أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ
تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ
تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ
الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا
إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ
تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (151-153) سورة الأنعام.
8- وصايا خطبة الوداع:
كانت
خطبة الوداع من آخر خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة وقد
انتقل بعد ذلك إلى المدينة فمات فيها صلوات ربي وسلامه عليه. وقد أوصى
النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها بأمور كثيرة، ومن ذلك ما ثبت عن جابر بن
عبد الله -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وسط
أيام التشريق خطبة الوداع، فقال: (يا
أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي،
ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى،
إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟) ، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (فليبلغ الشاهد الغائب).
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في حجة الوداع: (إِنَّ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ
هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ
أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ
الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا
دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ -كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي
سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ- وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ،
وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ. فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ
فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ
فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ
فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ
ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ
تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ
تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟) قَالُوا:
نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ
بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا
إِلَى النَّاسِ: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
9- التمسك بالكتاب والسنة والتحذير من البدع:
من
ضمن ما أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمة التمسك بالكتاب والسنة
وهدي الخلفاء الراشدين، والاجتماع على الحق، فقد ثبت عن العرباض بن سارية
-رضي الله عنه- أنه قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفجر ثم
أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين، ووجلت منها القلوب، قلنا
أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا، قال: (أوصيكم
بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم يرى
بعدي اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا
عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة
ضلالة).
وقد أوصى النبي -صلى
الله عليه وسلم- بالقرآن العظيم ولم يكن له شيء من متاع الدنيا يوصي به،
كما ثبت في البخاري عن طلحة قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله
عنهما: أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بها؟ قال: أوصى بكتاب الله.
قال ابن بطال: "قال المهلب: «أوصى بكتاب الله» قد فسره علي بقوله: «ما عندنا إلا كتاب الله » وكذلك
قال عمر: حسبنا كتاب الله. حين أراد أن يعهد عند موته، وذكر النخعي أن
طلحة والزبير كانا يشددان في الوصية فقال: ما كان عليهما ألا يفعلا، توفى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما أوصى، وأوصى أبو بكر، فإن أوصى فحسن،
وإن لم يوص فلا بأس".
10- الوصية بأهل مصر:
عن أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنكم
ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة
ورحماً، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها) قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل ابن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها.
وفي رواية أخرى لمسلم: (إنكم ستفتحون مصر).
وقد بوب الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح لهذا الحديث بقوله: باب وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بأهل مصر.
قال
النووي رحمه الله: "قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم
وغيرهما، وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به، وأما الذمة فهي
الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل
منهم، وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم، وفيه معجزات ظاهرة لرسول
الله -صلى الله عليه وسلم- منها: إخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة بعده
بحيث يقهرون العجم والجبابرة، ومنها: أنهم يفتحون مصر، ومنها: تنازع
الرجلين في موضع اللبنة، ووقع كل ذلك ولله الحمد".
فهذه من وصايا
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين، وكلها ترتكز على الدين والدار
الآخرة، وهذا يدل على أن الحياة لا تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة، ولو
كانت تساوي كذلك لأعطاها لنبيه ولأوصى المسلمين بها، لكنه -صلى الله عليه
وسلم- أرشدهم إلى التمسك بالكتاب والسنة، والبعد عن الباطل والبدعة، وأن
يلتزموا ما جاء في كتاب الله وسنته ففيه النجاة والخلاص من كل فتنة.
نسأل الله تعالى العون على ذكره وشكره وحسن عبادته، واتباع نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-. والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
كرشي: أي بطانتي وموضع سري وأمانتي، وعيبتي: العيبة: ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده.
رواه البخاري.
رواه البخاري ومسلم.
رواه البخاري ومسلم.
رواه البيهقي في دلائل النبوة برقم (3133).
رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
رواه الإمام أحمد، وقال الأرناؤوط: حسن لغيره.
رواه مسلم.
السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، للصلابي، بتصرف، (ج 2 / ص 683).
رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن أبي حاتم في تفسيره، والبيهقي في شعب الإيمان.
رواه الطبراني في المعجم الأوسط، والبيهقي في شعب الإيمان وهذا لفظه، وهو حديث صحيح، ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (2700).
رواه الإمام أحمد واللفظ له، والحاكم وغيرهما. وهو حديث صحيح.
شرح ابن بطال لصحيح البخاري (ج 15 / ص 156).
رواه الإمام مسلم.
شرح النووي على مسلم 16 / 97 .
الموضوعالأصلي : ~¤ô¦¦§¦¦ô¤~ وصايا رسول الله عليه الصلاة والسلام ~¤ô¦¦§¦¦ô¤~ المصدر : شبكة ومنتديات شباب الجزائر الكاتب:YOUCEF SAIDANI