قصة جرة الذهب من وحي الاسلام
من
القصص ما ابدع الانسان بعفويته في واقعه من استباط الاحكام والفوائد وما
احلى قصص جاءت من وحي الاسلام وكم اتشوق لما اسمع رسول الله صلى الله وعليه
وسلم يقص علينا القصص ليس الا من باب احياء قلوبنا على الحق فلنستمع ما
يرويه بشيرنا وحبيبنا المصطفى:
قصة جرة الذهب.
عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( اشترى
رجل من رجل عقاراً له ، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها
ذهب ، فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض
ولم أبتع منك الذهب ، وقال الذي له الأرض : إنما بعتك الأرض وما فيها ،
فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ ، قال أحدهما : لي
غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال : أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على
أنفسهما منه ، وتصدقا ) متفق عليه .
معاني المفردات
أبتع منك الذهب : أي : أشتري منك الذهب
ألكما ولد : أي : ألكل منكما ولد
عقاراً له : العقار هو المنزل والضيعة
تفاصيل القصّة
يصطرع
الناس فتات الدنيا ، وتنشب بينهم الخلافات ، ثم ينتهي الأمر إلى الازدحام
عند أبواب المحاكم ، والوقوف أمام القضاء ، ليُدلي كلٌ بحجّته ، ويقدّم
أدلّته ، مدّعياً أنه صاحب الحق ، وأن خصمه يريد سلبه ونهبه ، وأخذ ما ليس
له .
مشهدٌ مألوف وموقف معتاد يتكرّر يوميّاً في دنيا الناس ،
لكنّ العجب كلّ العجب أن ينشأ الخلاف ويحتدم النقاش بين رجلين ، حتى تتعالى
أصواتهما ، ويترافعا عند القاضي ، ليقول كلّ واحد منهما : " إن خصمي هو
صاحب الحقّ ، وإنه يريد أن يعطيني ما ليس لي " فحقّ للعقل حينها أن تعصف به
الحيرة وتأخذه الدهشة .
وليس الحديث عن ذلك من نسج الخيال أو
إلهام الفكر ، ولكنّه أنموذجٌ فريد وبارقة نجمٍ في سماء الحضارات السابقة ،
لرجال تسوّروا العزّ وتبوّؤوا المجد ، حينما صاغهم الدين وربّاهم الأنبياء
، فطهرت سرائرهم ، واستقامت ظواهرهم .
وكانت البداية حينما
أراد رجلٌ أن يبيع عقاراً له ، فبحث عن مشترٍ له ، حتى أبدى أحدهم إعجابه
بالعقار واستعداده لنقد الثمن ، فتمّ البيع وعُقدت الصفقة .
وانتقل
المشتري إلى عقاره الجديد فرحاً به ، فجعل يهيّئه ويعدّه للسكنى ، وبينما
كان يقوم بالحفر في أحد نواحي داره إذا بفأسه تصطدم بجرّة ، ولمّا أخرجها
وجدها مملوءةً ذهباً ، تثقل اليد عن حملها ، إنها جرّة تُؤذن بوداع حياة
الفقر ، وتكفل لصاحبها أن يكون في مصافّ الأغنياء ، ليهنأ بالعيش الرغيد ،
والنعمة الواسعة ، والرفاهية المطلقة .
لكنّ نوازع الأمانة
ومعاني الورع كانت أعظم في نفسه ، فلم يلتفت إلى بريق الذهب ولمعانه ، بل
كان شغله الشاغل أن يُرجع المال لصاحبه ، وهكذا انطلق من لحظته ليدفع له
الجرّة قائلا : ( خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب!
) .
وإذا كانت أمانة هذا الرّجل وقناعته مثار إعجاب ومحطّ
استحسان ، فإن العجب يتعاظم من موقف صاحبه الذي أعاد له المال قائلاً : (
إنما بعتك الأرض وما فيها ) .
وقام الرجلان يتدافعان الجرّة ،
كلٌّ يدّعي أن صاحبه أحقّ بها ، وبعد نقاشٍ دام طويلاً اتفقا على أن
يُحكّما بينهما رجلاً ، فوقفا بين يديه ، وعرض الأوّل وجهة نظره ، وعرض
الثاني رأيه وقوله .
نظر الحَكَم إليهما مُعجباً بسموّ أخلاقهما
وعظيم نبلهما ، ورأى أن هذه النماذج الفريدة جديرةٌ بأن يلتئم شملها تحت
مظلّة واحدة ، تربط بينها أواصر النسب ووشائج المصاهرة ، وقد وجد بغيته
حينما علم أن للأوّل غلاماً وللثاني جارية لم يتزوّجا بعد ، فأصدر حكمه : (
أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على أنفسهما منه ، وتصدّقا ) .
وقفات مع القصّة
تبقى القصة بكل أبعادها وأحداثها ، وألفاظها ومدلولاتها تشكّل سِفْراً مفتوحاً لكل قاريء ليأخذ منها الدروس ويستلهم منها العبر .
وأوّل
ما يلفت النظر ويشدّ الانتباه ، خلق القناعة الذي ظهر في الأوّل ، ومعاني
العفّة والتنزّه التي بدت عند الثاني ، ثم الحكم الذي يظهر فيه حسن الفهم
وسداد الرأي عند الثالث ، حتى يحار المرء : أيّهم أفضل من الآخر .
كما
يظهر في القصّة ما تعود به القناعة على صاحبها من الخير والبركة ، فهي
كنزٌ لا يفنى ، وذخيرةٌ لا تنضب ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (
ليس الغنى عن كثرة العَرَض – أي : متاع الدنيا - ولكن الغنى غنى النفس )
رواه البخاري ، ويقول أيضاً : ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس )
رواه الترمذي .
وفي ألفاظ القصّة دعوة ضمنيّةٌ للناس إلى أداء
الأمانات وإرجاع الودائع ، وهي قضيّة تناولها القرآن وأكّد على أهمّيتها في
قول الحقّ سبحانه : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } (
النساء : 58 ) .
وآخر ما نختم به دلالة القصّة على إمكانيّة الاحتكام إلى من كان ذا حظّ من العلم والعقل ، ما يعينه على تحقيق العدل وإصابة الحقّ.
.
من
القصص ما ابدع الانسان بعفويته في واقعه من استباط الاحكام والفوائد وما
احلى قصص جاءت من وحي الاسلام وكم اتشوق لما اسمع رسول الله صلى الله وعليه
وسلم يقص علينا القصص ليس الا من باب احياء قلوبنا على الحق فلنستمع ما
يرويه بشيرنا وحبيبنا المصطفى:
قصة جرة الذهب.
عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( اشترى
رجل من رجل عقاراً له ، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها
ذهب ، فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض
ولم أبتع منك الذهب ، وقال الذي له الأرض : إنما بعتك الأرض وما فيها ،
فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ ، قال أحدهما : لي
غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال : أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على
أنفسهما منه ، وتصدقا ) متفق عليه .
معاني المفردات
أبتع منك الذهب : أي : أشتري منك الذهب
ألكما ولد : أي : ألكل منكما ولد
عقاراً له : العقار هو المنزل والضيعة
تفاصيل القصّة
يصطرع
الناس فتات الدنيا ، وتنشب بينهم الخلافات ، ثم ينتهي الأمر إلى الازدحام
عند أبواب المحاكم ، والوقوف أمام القضاء ، ليُدلي كلٌ بحجّته ، ويقدّم
أدلّته ، مدّعياً أنه صاحب الحق ، وأن خصمه يريد سلبه ونهبه ، وأخذ ما ليس
له .
مشهدٌ مألوف وموقف معتاد يتكرّر يوميّاً في دنيا الناس ،
لكنّ العجب كلّ العجب أن ينشأ الخلاف ويحتدم النقاش بين رجلين ، حتى تتعالى
أصواتهما ، ويترافعا عند القاضي ، ليقول كلّ واحد منهما : " إن خصمي هو
صاحب الحقّ ، وإنه يريد أن يعطيني ما ليس لي " فحقّ للعقل حينها أن تعصف به
الحيرة وتأخذه الدهشة .
وليس الحديث عن ذلك من نسج الخيال أو
إلهام الفكر ، ولكنّه أنموذجٌ فريد وبارقة نجمٍ في سماء الحضارات السابقة ،
لرجال تسوّروا العزّ وتبوّؤوا المجد ، حينما صاغهم الدين وربّاهم الأنبياء
، فطهرت سرائرهم ، واستقامت ظواهرهم .
وكانت البداية حينما
أراد رجلٌ أن يبيع عقاراً له ، فبحث عن مشترٍ له ، حتى أبدى أحدهم إعجابه
بالعقار واستعداده لنقد الثمن ، فتمّ البيع وعُقدت الصفقة .
وانتقل
المشتري إلى عقاره الجديد فرحاً به ، فجعل يهيّئه ويعدّه للسكنى ، وبينما
كان يقوم بالحفر في أحد نواحي داره إذا بفأسه تصطدم بجرّة ، ولمّا أخرجها
وجدها مملوءةً ذهباً ، تثقل اليد عن حملها ، إنها جرّة تُؤذن بوداع حياة
الفقر ، وتكفل لصاحبها أن يكون في مصافّ الأغنياء ، ليهنأ بالعيش الرغيد ،
والنعمة الواسعة ، والرفاهية المطلقة .
لكنّ نوازع الأمانة
ومعاني الورع كانت أعظم في نفسه ، فلم يلتفت إلى بريق الذهب ولمعانه ، بل
كان شغله الشاغل أن يُرجع المال لصاحبه ، وهكذا انطلق من لحظته ليدفع له
الجرّة قائلا : ( خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب!
) .
وإذا كانت أمانة هذا الرّجل وقناعته مثار إعجاب ومحطّ
استحسان ، فإن العجب يتعاظم من موقف صاحبه الذي أعاد له المال قائلاً : (
إنما بعتك الأرض وما فيها ) .
وقام الرجلان يتدافعان الجرّة ،
كلٌّ يدّعي أن صاحبه أحقّ بها ، وبعد نقاشٍ دام طويلاً اتفقا على أن
يُحكّما بينهما رجلاً ، فوقفا بين يديه ، وعرض الأوّل وجهة نظره ، وعرض
الثاني رأيه وقوله .
نظر الحَكَم إليهما مُعجباً بسموّ أخلاقهما
وعظيم نبلهما ، ورأى أن هذه النماذج الفريدة جديرةٌ بأن يلتئم شملها تحت
مظلّة واحدة ، تربط بينها أواصر النسب ووشائج المصاهرة ، وقد وجد بغيته
حينما علم أن للأوّل غلاماً وللثاني جارية لم يتزوّجا بعد ، فأصدر حكمه : (
أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على أنفسهما منه ، وتصدّقا ) .
وقفات مع القصّة
تبقى القصة بكل أبعادها وأحداثها ، وألفاظها ومدلولاتها تشكّل سِفْراً مفتوحاً لكل قاريء ليأخذ منها الدروس ويستلهم منها العبر .
وأوّل
ما يلفت النظر ويشدّ الانتباه ، خلق القناعة الذي ظهر في الأوّل ، ومعاني
العفّة والتنزّه التي بدت عند الثاني ، ثم الحكم الذي يظهر فيه حسن الفهم
وسداد الرأي عند الثالث ، حتى يحار المرء : أيّهم أفضل من الآخر .
كما
يظهر في القصّة ما تعود به القناعة على صاحبها من الخير والبركة ، فهي
كنزٌ لا يفنى ، وذخيرةٌ لا تنضب ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (
ليس الغنى عن كثرة العَرَض – أي : متاع الدنيا - ولكن الغنى غنى النفس )
رواه البخاري ، ويقول أيضاً : ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس )
رواه الترمذي .
وفي ألفاظ القصّة دعوة ضمنيّةٌ للناس إلى أداء
الأمانات وإرجاع الودائع ، وهي قضيّة تناولها القرآن وأكّد على أهمّيتها في
قول الحقّ سبحانه : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } (
النساء : 58 ) .
وآخر ما نختم به دلالة القصّة على إمكانيّة الاحتكام إلى من كان ذا حظّ من العلم والعقل ، ما يعينه على تحقيق العدل وإصابة الحقّ.
.