الآثار
الإسلامية يقصد بالآثار عمومًا الأشياء التي صنعها الإنسان أو استعملها من
مسكن وأثاث وأدوات وفن، ثم خلّفها وراءه. وقد عرفت البشرية منذ القدم بعض
مظاهر العناية بالأشياء القديمة؛ ذلك أن الاهتمام بآثار السلف، والحرص على
امتلاكها وتخليد ذكرى أصحابها والاستمتاع بجمالها مرتبط بالنوازع والغرائز
البشرية التي تمثل حب التملك وتذوق الجمال وحب المعرفة.
حرص المسلمون بدورهم على جمع التحف الثمينة؛ إذ كانت
قصور الأمويين والعباسيين والفاطميين والأندلسيين وغيرهم تزخر بالكثير من
الآثار والتحف الثمينة والنادرة، فليس أدل على ذلك مما ذكره المؤرخون عما
أخرج من قصر الخليفة الفاطمي من الكنوز والتحف. ولم تقتصر عناية المسلمين
بالتحف المنقولة فقط، بل امتدت إلى العمائر القديمة على مختلف أنواعها من
دينية ومدنية وعسكرية، وحظيت المباني الدينية بأكبر نصيب من الصيانة
والحفظ. ومن ثم كان معظم ما وصل إلينا من آثار معمارية قديمة عبارة عن مبان
دينية من مساجد ومدارس وزوايا وخانقاوات وأضرحة ومكاتب وأسبلة وتكايا..
وغيرها، إلى جانب ما وصل إلينا من تحف منقولة مثل التحف الخشبية والزجاجية
والعاجية والمعدنية والخزفية والجصية والبلور الصخري والمنسوجات والمخطوطات
المصورة وغيرها.
للآثار الإسلامية قيمة كبيرة بين آثار العالم؛ لأن
رقعتها تمتد بصفة أساسية من الشرق إلى الغرب في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وقد وضحت عناية المسلمين بالآثار والكتابة عنها عملاً
بالآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان
عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارًا في الأرض فما أغنى
عنهم ما كانوا يكسبون﴾ غافر: 82. وفي القرآن الكريم إشارات أخرى كثيرة إلى
الآثار والاعتبار بها. كما حفظ لنا التاريخ الإسلامي أسماء كثير من
المؤرخين الذين عنوا بدراسة الآثار والتحف، نذكر منهم على سبيل المثال:
الأزرقي الذي كتب عن آثار مكة المكرمة، والسمهودي الذي كتب عن مسجد الرسول ³
بالمدينة المنورة و الهمداني الذي ضمن كتابه صفة جزيرة العرب كثيرًا من
المعلومات عن آثار الجزيرة العربية. ومن أشهر المؤرخين الذين كتبوا عن
الآثار المقريزي ، كما اهتم الرحالة المسلمون في العصور الوسطى بوصف الآثار
الإسلامية التي كانوا يشاهدونها أثناء رحلاتهم، ومن أشهر هؤلاء الرحالة
ناصر خسرو والرحالة ابن جبير وابن بطوطة والعبدري والوزان وغيرهم.
وفي القرن الثالث عشر الهجري، منتصف القرن التاسع عشر
الميلادي أخذت الدراسات تظهر عن الآثار والفنون الإسلامية في أوروبا، وكانت
أعمالاً موسوعية. وقد كشفت تلك الدراسات الحاجة الماسة إلى إجراء الحفريات
العلمية للبحث عن التراث المادي الإسلامي، وبالفعل بدأ التنقيب عن الآثار
الإسلامية في الشرق منذ أواخر القرن التاسع عشر. ومن أشهر مواقع التنقيب عن
الآثار الإسلامية حفائر بني حماد في الجزائر عام 1898م، وحفريات مدينة
الزهراء بالأندلس 1910م، وحفريات الفسطاط بمصر 1912م، وحفريات سامراء
بالعراق 1913م، وحفريات إيران ونيسابور 1932م.
ولا يزال الآثاريون والهيئات والحكومات يجرون حفريات في
مختلف أنحاء العالم الإسلامي للتنقيب عن الآثار الإسلامية. ومما يؤسف له أن
ظهرت نزعة بين بعض دارسي الفنون والآثار الإسلامية تهدف إلى إنكار فضل
العرب في إنشاء الفنون والآثار الإسلامية. فزعموا أن العرب لم يكن لهم من
الذوق الفني أو المهارة الصناعية أو الحذق بأساليب البناء ما يؤهلهم
للإسهام الجدي في نشأة وتطوير الفنون الإسلامية. ومن ثم أرجعوا نشأة
العمارة والفنون الإسلامية إلى تأثيرات جاءت من الشعوب غير العربية التي
دخلت في الإسلام، ومن الحضارات الأخرى المعاصرة والقديمة. والحق أن هذه
المزاعم نتجت عن جهل هؤلاء الباحثين بأوضاع العرب قبل الإسلام، وعن نظرة
سطحية سواء إلى تعاليم الإسلام أو إلى حقيقة الفنون الإسلامية نفسها.
تهتم هذه المقالة بإلقاء الضوء على ما يكنزه العالم
الإسلامي من آثار إسلامية مازالت شاخصة إلى اليوم تسجل في مجموعها سجلاً
حافلاً بالإنجازات الكبرى التي حققها المسلمون عبر سلسلة متصلة من العصور
الإسلامية.
ربما كانت العمارة الإسلامية من أهم المجالات التي
تفوَّق فيها المسلمون، حيث زاول المعماريون المسلمون بناء جميع أنواع
العمائر، فخلَّفوا لنا كثيرًا من الأبنية من دينية كالمساجد والمدارس
والكتاتيب والخانقاوات والأضرحة والزوايا، ومدنية كالقصور والبيوت
والوكالات والخانات والفنادق والحمامات والبيمارستانات والأسبلة وأحواض
الدواب والقناطر والصهاريج والبرك، وعسكرية كالقلاع والحصون والأبراج
والأسوار والأربطة وأبواب المدن.
وقد بقيت نماذج كثيرة من هذه العمائر الإسلامية في مختلف
الأقطار الإسلامية. وكان لكل من هذه الأنواع تصميمه الخاص به، والملائم
لوظيفته. كما اختلفت طرزها باختلاف العصور والأقطار. وتتميز العمارة
الإسلامية بوحدات وعناصر معمارية خاصة بها كالمآذن والقباب والمداخل
والواجهات والمقرنصات، وغيرها. ومن الأفضل أن نستعرض الآثار المعمارية من
خلال تصنيفها الوظيفي.
المنشآت الدينية
تمثل المقام الأسمى بين العمائر سواء من حيث كثرة العدد
ودرجة الحفظ إلى جانب كونها مازالت تؤدي وظيفتها التي شيدت من أجلها منذ
مئات السنين، على عكس العمائر الأخرى. تنقسم المنشآت الدينية إلى مساجد
ومدارس وأضرحة وزوايا وخانقاوات وأربطة.
المساجد.
من أشهر المساجد الأثرية وأظهرها المسجد الحرام بمكة المكرمة ومسجد الرسول
³ بالمدينة المنورة.
المسجد الحرام. للمسجد الحرام طرازه الخاص بين المساجد.
وهو يعرف بالبيت الحرام والبيت المحرم والبيت العتيق . ويسمى أيضًا الكعبة
المشرفة لتكعيبه أي تربيعه. وهو بيت الله الذي فرض الله الحج إليه لمن
استطاع إليه سبيلاً، وقبلة المسلمين في صلاتهم. وليس من شك في أن بناء
الكعبة لحقته بعض الترميمات في العصور المختلفة. يرجع الفضل إلى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه في إزالة الدور والبيوت التي كانت تحيط بالكعبة
وبالمطاف، وإليه أيضًا، يرجع الفضل في بناء أول جدار حول الكعبة. وفي عام
26هـ في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه جعل للمسجد أروقة. وفي 44هـ، في
عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (ت 60هـ) أُدخل المنبر لأول مرة إلى
المسجد، وكان النبي ³ يخطب الجمعة في المسجد الحرام، وهو واقف على الأرض.
وفي عهد الوليد بن عبدالملك أجريت للمسجد الحرام عمارة كبرى، ثم توالت بعد
ذلك أعمال التوسيع والترميم على عمارة الحرم، ومن أهمها عمارة المماليك في
القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) على يد السلطان الناصر فرج بن
برقوق (802هـ) والسلطان الأشرف برسباي في عامي 825 و826هـ. ومن أهم الأعمال
التي تمت حينذاك بناء عشرات العقود وتجديد كثير من أبواب المسجد وتعمير
سقوفه وطلاؤها وإصلاح سقف الكعبة ورخامها وأخشابها.
بسيطرة العثمانيين على مصر انتقلت إليهم بصفة رسمية
السيادة على الحجاز ورعاية الحرمين بمكة والمدينة. وصار السلطان العثماني
يلقب منذ ذلك الوقت بخادم الحرمين الشريفين. ونتيجة لعمارة العهد العثماني
أصبح المسجد مستطيل الشكل تحيط به أروقة من جهاته الأربع، ترتكز سقفها على
أعمدة معظمها من الرخام. وتقوم الكعبة في وسط الحرم ولكنها تميل إلى
الجنوب، ويحيط بها المطاف، وهو مرصوف بالرخام. وأهم المزارات الدينية بحرم
الكعبة مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ وحجر إسماعيل ـ عليه السلام ـ وبئر
زمزم. انظر: الكعبة
المشرفة.
المسجد النبوي الشريف. لما هاجر الرسول ³ من مكة إلى
المدينة بُني له منزل، وأُخذ من الفضاء الموجود أمام المنزل فناءٌ واسع
يقال : كان به مربد ملكٌ لغلامين يتيمين في المدينة هما سهل وسهيل، وهذا
الموضع هو الذي بركت فيه ناقة الرسول ³ يوم أن دخل إلى المدينة مهاجرًا،
ولذلك اختار الرسول ³ هذا الموضع ليكون مسجدًا للمسلمين؛ فأمر بتمهيد أرضه
وبناء المسجد واشترك هو نفسه ³ في البناء، وتأسى به سائر المسلمين في
المدينة.
كان تخطيط المسجد الأول في عهد النبي مكونًا من فناء
مربع متساوي الأضلاع تقريبًا، تحف به جدران أربعة بنيت من اللبن على أسس من
الحجارة، وجعلت القبلة في الجدار الشمالي من حجارة منضودة بعضها فوق بعض.
وأمر الرسول ³ أن يبنى في الطرف الجنوبي من الجانب الشرقي مسكنان لزوجتيه:
أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، وأم المؤمنين سودة بنت زمعة. ثم بنيت في
جهة القبلة سقيفة من جريد لتقي الناس من حرارة الشمس وهم وقوف في الصلاة.
وكانت هذه السقيفة مغطاة بسعف النخيل، وترتكز على جذوع النخل، وعندما تحولت
القبلة إلى الجنوب تجاه مكة المكرمة أقيمت بالمسجد سقيفة أخرى في الجهة
الجنوبية على غرار السقيفة القديمة التي بقيت يستظل بها فقراء المدينة من
المسلمين، وبذلك أصبح للمسجد جزء مكشوف في الوسط هو الصحن (الفناء)،
وظُلتان إحداهما في الشمال والأخرى إلى الجنوب. وبعد نحو سبع سنوات من
الهجرة ضاق المسجد بالمصلين؛ فأمر الرسول ³ بتوسيعه، فأصبح طول كل ضلع
بالمسجد مائة ذراع. وصار جدار المسجد الشرقي ملتصقًا ببيوت النبي ³.
وكان للمسجد في عهد الرسول ³ ثلاثة أبواب ظلت في أماكنها
حتى اليوم على الرغم من التوسعات الجديدة. ومازالت هذه الأبواب تعرف
بأسمائها، وهي: باب جبريل وسط الجدار الشرقي، وباب النساء في شماله،
ويقابله باب الرحمة في الجدار الغربي، ولم يكن المسجد يشتمل على مئذنة؛ إذ
كان المؤذن ينادي للصلاة من فوق سطح أحد المنازل العالية المجاورة للمسجد.
ومن الجدير بالذكر أن تخطيط المسجد النبوي بالمدينة صار النموذج الذي خططت
عليه مساجد الأمصار الإسلامية في المدن الجديدة التي أنشئت عقب الفتوح
الإسلامية مثل: مسجد البصرة ومسجد الكوفة ومسجد عمرو بن العاص بالفسطاط،
ومسجد عقبة بن نافع بالقيروان.
حظي مسجد الرسول ³ بعناية شديدة من قبل الخلفاء الراشدين
وغيرهم من حكام المسلمين، فتوالت يد التوسيع التي كان يتطلبها المسجد من
وقت لآخر نظرًا لاتساع رقعة الدولة الإسلامية وازدياد عدد المسلمين. وكان
من أهم أعمال التوسيع بمسجد الرسول ³ تلك التي قام بها الوليد بن عبدالملك،
91هـ (709م) حيث روعي في عمارة الوليد أن يتحقق في بناء مسجد الرسول ³ ما
تطور إليه فن العمارة الإسلامية حتى ذلك الوقت من تقدم، مع المحافظة على
التراث المعماري الذي يرجع إلى العهد النبوي.
ومن الجدير بالذكر أن تخطيط المسجد النبوي قد أُدخلت
عليه بعض الإضافات والعناصر المعمارية الجديدة؛ فأصبح يتكون من صحن أوسط
وأربعة أروقة تحف به. وصار له أربع مآذن ومحراب مجوف وأعمدة من رخام. ونقلت
المداخل القديمة إلى الجدران الجديدة وحوفظ على وضعها في الاتجاهات
القديمة التي كانت عليها وقت النبي ³. أما القبة الخضراء التي تعلو الضريح،
فقد أضيفت إلى المسجد في عصر دولة المماليك.
المسجد الأقصى. أنشأه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله
عنه، وقيل إن الوليد بن عبدالملك أعاد بناءه سنة 87هـ، 706م. ويقع المسجد
في مدينة القدس بفلسطين، وهو يجاور قبة الصخرة من الجهة الشرقية. وقد تعرض
المسجد لزلزال كبير في نهاية العصر الأموي؛ مما جعل الخليفة أبا جعفر
المنصور يأمر بإعادة بنائه وتجديده. وفي عهد الخليفة المهدي شهد المسجد
الأقصى أعمالاً معمارية كثيرة، أهمها يتعلق بتخطيط المسجد حيث أصبح يتكون
من خمس عشرة بلاطة، تمتد من الشمال إلى الجنوب وأكبرها اتساعًا وارتفاعًا
البلاطة الوسطى. وبصدر جدار القبلة محراب تعلوه قبة. وفي العصر الفاطمي
تغير تخطيط المسجد؛ وأصبح يتكون من سبع بلاطات فقط، أكبرها اتساعًا
وارتفاعًا البلاطة الوسطى، وهو نفس التخطيط الذي عليه المسجد الآن. وللأسف
الشديد تعرض المسجد الأقصى لأعمال تخريب كان آخرها على يد اليهود، عندما
أحرقوا أجزاء كثيرة منه.
ومن أشهر العمائر الدينية في بلاد الشام قبة الصخرة ،
التي شيدت على أيدي الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان عام 66هـ. (685م).
ورصد لبنائها خراج مصر لسبع سنوات. وعهد الخليفة بالبناء إلى اثنين من
مهندسيه هما رجاء بن حيوة الكندي، ويزيد بن سلام. وقد شرعا في بناء القبة
عام 66هـ، وفرغا من بنائها عام 72هـ، 691م. وقد سجل هذا التاريخ على شريط
كتابي مكتوب بالخط الكوفي داخل القبة التي تقع وسط هضبة صخرية كبيرة تسمى
اليوم بالحرم. ويقع على امتدادها المسجد الأقصى . ويتكون التخطيط المعماري
لقبة الصخرة من مثمنين. الداخلي منهما أصغر حجمًا من الخارجي. ويتوسط
المثمن الداخلي كرسي القبة الذي يحيط بالصخرة، وهو يتكون من أربع دعامات
مستطيلة الشكل تحصر فيما بينها 12 عمودًا من الرخام، ثلاثة على جانبي كل
دعامة. وترتكز على كل من الدعائم والأعمدة مجموعة عقود عددها 24 عقدًا تحمل
القبة التي ضمها المعمار من مستويين بينهما فراغ، وقد صُنع طابقا القبة من
الخشب. ويتميز المثمن الداخلي منهما بتغطيته بالجص الملبس بالفصوص
المذهّبة، ونقشت عليه آيات من القرآن الكريم من سورتي البقرة (آية الكرسي)
وطه، أما طبقة القبة الخارجية فقد صنعت من ألواح الخشب أيضًا، وصحفت
بالنحاس الأصفر.
الجامع الأموي. تحتفظ سوريا بأعظم مساجد عصر الخلافة
الأموية وهو مسجدها الجامع الأموي بدمشق الذي بناه الوليد بن عبدالملك سنة
87هـ، 706م. ويحتفظ الجامع الأموي الآن بمعظم عناصره المعمارية القديمة على
الرغم من الحرائق التي تسببت في إتلاف أجزاء كثيرة منه.
الشكل المعماري للمسجد الأموي مستطيل طوله 60م تقريبًا
وعرضه مائة متر، ويتكون من الداخل من صحن أوسط مكشوف تحف به أربعة أروقة
أكبرها رواق القبلة الذي يتكون تخطيطه من ثلاث بلاطات عرضية تمتد من الشرق
إلى الغرب، يقطعها من النصف بلاطة وسطى ميّزها المعمار بأن جعلها أكثر
اتساعًا وارتفاعًا. وتنتهي البلاطة الوسطى إلى المحراب الرئيسي. ويغطي
البلاطة الوسطى سقف جمالوني تتوسطه قبة كبيرة تعرف باسم قبة النسب .
وبالجامع ثلاث مآذن، اثنتان منها تحتلان الركنين الجنوبيين الشرقي والغربي.
تعرف المئذنة الشرقية باسم مئذنة عيسى، وتعرف الغربية باسم المئذنة
الغربية، أما المئذنة الثالثة فتدعى مئذنة العروس، وموضعها في جانب الباب
الشمالي من باب الفراديس.
مسجد عمرو بن العاص أول مسجد في قارة إفريقيا بشكل عام
ومصر بخاصة، وقد بناه الصحابي الجليل عمرو ابن العاص عند تأسيسه لمدينة
الفسطاط عام 21 هـ. ويعرف جامع عمرو بن العاص بأسماء عديدة منها: تاج
الجوامع والجامع العتيق وجامع أهل الراية والجامع العمري . ولقد خطط عمرو
بن العاص جامعه على غرار مسجد الرسول ³ في المدينة، حيث كان مستطيل الشكل
وتبلغ مساحته 30 × 50 ذراعًا. وقد غطي سقفه بسعف النخيل وبنيت جدرانه من
اللبن، وشيدت أعمدته من جذوع النخل. وقد مر جامع عمرو بن العاص بمراحل
معمارية مهمة في كل العصور الإسلامية، أهمها في العصر الأموي عندما قام
مسلمة بن مخلد الأنصاري (50هـ) والي مصر في عهد معاوية بن أبي سفيان ببناء
أربع صوامع للجامع، وجعل له صحنًا واسعًا.
جامع أحمد بن طولون من أشهر مساجد مصر الأثرية شيده أحمد
بن طولون وسط مدينته الجديدة المعروفة بالقطائع عام 263هـ، ويقال : إن
جامع ابن طولون شيد على غرار جامع سامراء في العراق. وأهم ما يميز جامع بن
طولون مئذنته الفريدة المعروفة باسم الملوية .
الجامع الأزهر من مساجد مصر الشهيرة شيده الفاطميون داخل
مدينة القاهرة عام 261هـ. ويعد الجامع الأزهر من أشهر مساجد العالم
الإسلامي نظرًا لدوره الكبير في تدريس علوم الدين ونشر الدعوة. وقد تخرج
فيه أشهر علماء الإسلام في العالم الإسلامي.
مسجد الجامع بالقيروان من أشهر المساجد في المغرب
والأندلس وأقدمها، وقد شيده عقبة بن نافع عام 50هـ، 670م بمدينة القيروان،
وهي رابع مدينة أحدثت في الإسلام بعد البصرة والكوفة والفسطاط، وقد جدد
المسجد مرة أيام حسان بن النعمان عام 80هـ، 699م، وزاد فيه بعد ذلك بشر بن
صفوان عامل الخليفة هشام بن عبدالملك، زيادة كبيرة عام 105هـ (723م)، ومن
أهم ملامح تلك الزيادة الصومعة الفريدة التي تعد أقدم مئذنة قائمة في
العالم الإسلامي. ويتكون التخطيط المعماري لجامع القيروان من صحن أوسط
وأربعة أروقة أكبرها رواق القبلة الذي ما زال يحتفظ بمحرابه القديم الذي
نصب على يد عقبة بن نافع. ومن أشهر المساجد التونسية أيضًا مسجد الزيتونة
الذي شيده عبيدالله بن الحبحاب عام 114هـ (732م). وقد شهد المسجد أعمالاً
معمارية كبيرة في عهد الأغالبة 248هـ (862م).
مسجد تلمسان الجامع في الجزائر وهو أشهر مساجدها ويعود
إلى عصر المرابطين، وقد شيده أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين عام
530هـ. ويتكون تخطيط المسجد من صحن وأربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة الذي
يحتفظ بأعظم قبة فوق محرابه؛ إذ تعبر زخارف القبة المفرغة في الجص عن
التطور الفني المعماري والزخرفي في عصر المرابطين.
جامع القرويين بفاس يعد من أشهر مساجد المغرب، لاسيما
وأنه استخدم كجامعة إسلامية قبل جامعة الأزهر، كما كان له أثره في الطراز
المعماري للمساجد في بلاد المغرب، وقد أنشأته فاطمة القروية ابنة محمد
الفهري سنة 245هـ، 859م، في عدْوة القرويين. ويتكون التخطيط المعماري
للمسجد من صحن أوسط تحف به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة. وأهم ما يميز
رواق القبلة مجموعات القباب المقرنصة، التي تعد تحفة فنية تشهد على عظمة
المعمار المغربي في عصر المرابطين، وكذلك صومعة المسجد التي تعد النموذج
الذي شيدت على غراره معظم صوامع المساجد المغربية.
ومن أشهر المساجد المغربية في عصر الموحدين مسجد الكتبية
الجامع بمدينة مراكش وصومعته الشهيرة، ومسجد حسان بمدينة الرباط.
جامع قرطبة في الأندلس من أعظم الآثار الإسلامية
القائمة، يعد ثالث المساجد الكبرى مساحة بعد مسجدي سامراء وأبي دلف اللذين
اندثرا. ويرجع بناء جامع قرطبة إلى الأمير عبدالرحمن الداخل عام 170هـ
(786م). وقد شهد جامع قرطبة عدة توسعات، كان أهمها في عهد الخليفة
عبدالرحمن الناصر سنة 340هـ، 951م، وفي عهد الحكم المستنصر بالله 351هـ،
961م، وأخيرًا في عهد المنصور بن أبي عامر 377هـ، 987م. وأعظم ما يميز جامع
قرطبة محرابه الفريد وقبابه الرائعة المشيدة من شبكة من الضلوع الحجرية.
أما في مدينة إشبيليا فيوجد جامع القصبة الموحدي الذي لم يبق منه إلا
صومعته المعروفة بالخيرالدة التي شيدها الخليفة يعقوب المنصور الموحدي عام
591هـ.
ومن أشهر المساجد في إيران المسجد الجامع بأصفهان، وهو
يمثل عدة مراحل معمارية، يعود أولها إلى العصر العباسي في القرن الثالث
الهجري. ثم أجريت تعديلات مهمة في تخطيط الجامع في العهد السلجوقي، تتمثل
في التخطيط الإيواني والقبة الكبيرة بإيوان القبلة.
أما في الهند فمازالت المساجد التي شيدت في ظل وجود
الدولة الإسلامية هناك باقية إلى اليوم. ومن أشهر تلك المساجد مسجد قوة
الإسلام في دلهي. وهو مشهور بمئذنته المعروفة بقطب منار نسبة إلى الأمير
قطب الدين أيبك أول سلاطين مماليك الهند في القرن السادس الهجري (الثاني
عشر الميلادي). ومن أشهر مساجد الهند أيضًا التي تعود إلى العهد المغولي
جامع فاتح بور ـ سيكري ويقع جنوبي مدينة دلهي، ومسجد أكرا الجامع الذي شيده
السلطان أكبر وأتمه ابنه جاهنجير الذي ينسب إليه أيضًا بناء المسجد الجامع
. وتتميز مساجد الهند بفخامة مبانيها واستخدام القباب والإيوانات والعقود
الفارسية المنكسرة والمداخل الضخمة والصحون الواسعة والمآذن المتعددة.
وفي تركيا توجد أعظم المساجد الأثرية التي تمتاز بعظم
مساحتها وقبابها الضخمة ومآذنها الرشيقة المتعددة. ومن أشهرها جامع السلطان
أحمد بإسطنبول الذي يتألف من قاعة للصلاة مغطاة بقبة عظيمة ترتكز على
أربعة عقود تتكيء على أربعة أكتاف ضخمة. ويحف بالقبة المركزية أربعة أنصاف
قباب، وشيد محراب المسجد ومنبره من المرمر. أما صحن المسجد فهو فناء كبير
تحيط به أروقة أربعة تسقفها عشرات القباب الصغيرة، ويطلق على هذا الجزء اسم
حرم المسجد.
جامع سامراء في العراق شيد عام 234هـ، 848م في عهد
الخليفة المتوكل، ويتميز بمئذنته الفريدة المعروفة باسم ملوية سامراء ، وهو
يشبه مسجدًا آخر يعرف باسم جامع أبي دلف الذي شيده الخليفة المتوكل عام
245هـ (860م) في وسط مدينته الجديدة المعروفة باسم الجعفرية .
المدارس الإسلامية.
ظهرت في شرق العالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر
الميلادي. وقد ازدهرت حركة تأسيس المدارس في عصر السلاجقة وبخاصة على يد
الوزير نظام الملك، وبدأت في خراسان وأخذت تمتد غربًا حتى وصلت بلاد الشام
ومصر واليمن والمغرب.
ارتبط بنشأة المدارس في العالم الإسلامي ظهور طراز خاص
في العمارة الإسلامية يعرف بالطراز الإيواني. وهو صحن أوسط مكشوف يحيط
بأضلاعه أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة. وقد كانت كل المدارس التي شيدت
في العالم الإسلامي مساجد، بينما لم تكن كل المساجد مدارس. ومن المحتمل أن
تكون عمارة المدارس قد تأثرت بالإيوانات الساسانية، حيث نلاحظ هذا التأثُر
في تخطيطات المدارس العراقية والشامية والمصرية الباقية.
المدرسة المستنصرية ببغداد من أشهر مدارس العالم
الإسلامي. أمر بإنشائها الخليفة العباسي المستنصر سنة 625هـ (1227م) ويتكون
التخطيط المعماري للمدسة من فناء أوسط فسيح ذي تخطيط مستطيل الشكل، تحيط
به الإيوانات والقاعات وحجرات الطلاب، وهي تتكون من طابقين. وبالمدرسة
أربعة إيوانات لتدريس المذاهب الأربعة، ويتضح مما تبقى من زخارف المدرسة
أنها كانت تزدان بمستوى عال من الزخرفة. وبين الإيوانات توجد حجرات وقاعات
التدريس والسكن. وبقي من هذه القاعات اثنتا عشرة قاعة كبيرة. وكان بالمدرسة
ميضأة ضخمة، كما ألحق الخليفة المستنصر بمدرسته حمامًا خاصًا للفقهاء،
وبيمارستانًا لعلاج المرضى، وخزانة للكتب. ومن عجائب هذه المدرسة الساعة
المائية. كما تشتمل المدرسة على عدد كبير من النصوص الكتابية التذكارية نقش
معظمها على الآجُرّ.
مدرسة السلطان حسن بن قلاوون في مصر شيدها السلطان حسن
بن قلاوون في عام 757هـ، 1356م، واستمر العمل في بنائها ثلاث سنوات بلا
انقطاع. ويتكون التخطيط المعماري للمدرسة من صحن أوسط يتعامد على أضلاعه
أربعة إيوانات بينها بيوت لسكنى الطلاب والمدرسين. وقد خصصت الإيوانات
لتدريس المذاهب السنية الأربعة. ويحتوي إيوان القبلة على منبر ومحراب شيد
من الرخام، وهي تعدّ أعظم المدارس الإسلامية من حيث فخامة البناء وكثرة
الزخارف وتناسق التخطيط. ومن أشهر مدارس القاهرة أيضًا في العصر المملوكي
الشركسي مدرسة السلطان قايتباي الواقعة بجبانة صحراء المماليك. وتمتاز
مدرسة قايتباي بالتناسق الواضح بين عناصرها المعمارية، ويتكون تخطيطها
المعماري من قاعة وسطى مغطاة بسقف خشبي وأربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة
الذي يضم المحراب ومنبرًا للخطبة، كما تضم عمارة المدرسة ضريحًا دفن فيه
السلطان قايتباي، وسبيلاً وحوض دواب وطبقات لإقامة الصوفية. وكذلك مدرسة
السلطان الغوري وهي تشبه مدرسة السلطان قايتباي من حيث التخطيط ولكن تتفوق
عليها من حيث جمال الموقع والثراء الزخرفي.
مدرسة ابن يوسف بمراكش من أشهر مدارس المغرب الأقصى وهي
تحفة معمارية، شيدها السلطان أبو الحسن المريني عام 747هـ ،1346م. وهي
تمتاز بتناسق عمارتها وروعة زخرفتها. تتكون من الداخل من صحن أوسط مكشوف
يحفه من الجانب الجنوبي إيوان القبلة. ومن جوانبه الثلاثة الشرقية والغربية
والشمالية ثلاث ظلات تحمل جميعها حجرات وسكن الطلاب، وقد جددت عمارة
المدرسة في عصر السعديين، دون أن تغير شيئًا من عناصرها القديمة.
المدرسة البوعنانية من أشهر المدارس المغربية أيضًا، في
مدينة فاس، شيدها السلطان أبو عنان فارس بن أبي الحسن المريني عام 751هـ
(1350م). وتقع المدرسة بفاس القديمة على مقربة من جامع القرويين. وهي تعد
آخر مدارس المغرب العظيمة من حيث تخطيطها الفريد ومساحتها الضخمة وفخامة
مبانيها وروعة زخارفها. ويتكون تخطيطها المعماري من الداخل من صحن أوسط
مكشوف على جانبيه قاعتان للتدريس. وفي الجهة الجنوبية من الصحن يوجد
المسجد، الذي يضم محرابًا ومنبرًا للخطبة. وللمدرسة صومعة شيدت على غرار
صوامع المساجد المغربية. وتتميز مساجد المغرب بأنها لم تشتمل على أضرحة.
المدرسة النورية في دمشق شيدها الملك العادل نور الدين
أبو القاسم محمود بن زنكي عام 563هـ (1167م)؛ وتعد المدرسة من أهم آثار
الزنكيين في دمشق. وهي لا تزل بحالة معمارية جيدة، ويتكون تخطيطها المعماري
من صحن أوسط مكشوف تتوسطه بركة ماء وتحف به ثلاثة إيوانات أكبرها إيوان
القبلة الذي يقع في الضلع الجنوبي من الصحن. وتضم المدرسة ملاحق فيها القبة
الضريحية التي دفن فيها السلطان نور الدين.
مدرسة أنجه منار في قونية أشهر المدارس في تركيا شيدها
الوزير صاحب أتا عام 659هـ (1260م). ويتكون تخطيطها المعماري من قاعة
مركزية غطيت بقبة كبيرة، يتقدمها من الجانب الشمالي إيوان القبلة، وتضم
المدرسة قاعات للتدريس وحجرات للطلاب، تقع على جانبي القاعة المركزية.
المدرسة الأشرفية الكبرى أنشأها السلطان الملك الأشرف
إسماعيل بن الملك الأفضل الرسولي في مدينة تعز اليمنية عام 800هـ، 1397م،
وتضم المدرسة منشآت عدة وملاحق كثيرة منها خانقاه للصوفية ومكتب لتعليم
الأيتام ومدفن وبركة وميضأة. وتكوّن التخطيط المعماري للمدرسة الأشرفية من
الداخل من صحن أوسط مربع يحف به من الجهة الجنوبية مسجد كبير غطي سقفه
بمجموعة من القباب الصغيرة تلتف حول قبة كبيرة مركزية تعلو المحراب، كما
يحف بصحن المدرسة من الجانبين قاعات للتدريس.
الخانقاوات.
ومفردها خانقاه. وهي منشآت كانت تخصص لإيواء الصوفية والمنقطعين للعبادة،
وكانت تسمى في الدولة العثمانية التكايا، ومفردها تكية. وقد انتشرت هذه
الخانقاوات في الأقطار الإسلامية المختلفة، وبخاصة في إيران ومصر والشام
واليمن وآسيا الصغرى (تركيا) أما في المغرب الإسلامي، فتعرف الخانقاوات
هناك باسم الزوايا. وتجمع عمارة الخانقاه بين عدة وظائف منها المدرسة
والضريح والمسجد والسبيل وغيرها. وكانت الخانقاوات تخطط على غرار المدارس،
أي أنها كانت تتكون من صحن أوسط يحف به إيوانات وحجرات لسكن الصوفية تتكون
من عدة طوابق، وقد أسهمت الخانقاوات في النواحي التربوية والدينية
والاجتماعية.
وقد عرفت مصر الخانقاوات منذ العصر الأيوبي، وانتشرت
انتشارًا واسعًا في العصر المملوكي. ومن أهمها الخانقاه البندقدارية
بالقاهرة نسبة إلى مشيدها السلطان بيبرس البندقداري، في العصر المملوكي
البحري. وكذلك خانقاه بيبرس الجاشنكير 706هـ، 1306م وتتكون من صحن أوسط
مكشوف مستطيل الشكل يحيط به من الجانب الشمالي والجنوبي إيوانات، خصص
الجنوبي منها للصلاة. وعلى الجانبين الشرقي والغربي للصحن حجرات سكنية
لإقامة الصوفية تعرف باسم الخلاوي، وهي متعددة الطوابق، ويقع المدخل
الرئيسي في الواجهة الرئيسية. وخانقاه سيلار وسنجر الجاولي، وخانقاه الأمير
شيخو الناصري الواقعة بشارع الصليبية بجوار مسجد أحمد بن طولون. وأشهر
خانقاوات مدينة القاهرة في العصر المملوكي الشركسي خانقاه السلطان الناصر
فرج بن برقوق الواقعة بجبانة صحراء المماليك.
أما في اليمن فتعود أشهر الخانقاوات إلى عهد الدولة
الرسولية. ومن أهم أمثلتها الخانقاه الأشرفية التي شيدها الملك الأشرف
الرسول عام 800هـ. أما في سورية فترجع أشهر الخانقاوات هناك إلى العصر
المملوكي. ومن أهمها الخانقاه اليونسية، التي تعرف اليوم باسم جامع
الطاووسية، وتحتفظ الخانقاه باسم مؤسسها الأمير يونس الدودار عام 784هـ،
1383م.
الأربطة.
أماكن كان يرابط فيها الجنود المحاربون استعدادًا للجهاد. وقد اشتق اسم
الأربطة من الآية القرآنية الكريمة في قوله تعالى: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم
من قوة ومن رباط الخيل﴾ الأنفال: 60. وفي قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين
آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون﴾ آل عمران : 200.
وبتطور العصور الإسلامية صار الرباط مأوى ينقطع فيه
العباد للتعبد بعيدًا عن زخرف الحياة. وكانت الأربطة تشاد في الثغور أي على
الحدود، سواء أكانت في الصحراء أم على شواطئ البحار. وأقدم الأربطة
الإسلامية تقع في بلاد المغرب العربي، حيث شيد بمدينة إفريقية (تونس
الحالية) في القرنين الثاني والثالث الهجريين رباط المنستير ورباط سوسة.
وكان التخطيط المعماري للأربطة يتكون من صحن أوسط يحفه من الجانب القبلي
كتلة المسجد، ومن الجوانب الثلاثة الباقية حجرات إقامة المرابطين. شيَّد
رباط المنستير في تونس هرثمة بن أعين عام 180هـ، 796م ويتكون تخطيط الرباط
المعماري من مساحة مربعة يحيط بها من الخارج سور كبير شيد من الحجر، في
زواياه أبراج دائرية للمراقبة. ويضم الرباط منارة أسطوانية الشكل، ويتوسط
عمارة الرباط من الداخل صحن مربع على جوانبه حجرات مكونة من طابقين. ويضم
الرباط أيضًا ملاحق عديدة، أهمها الإسطبلات المعدة للخيل وصهاريج للمياه.
ومن أشهر الأربطة التونسية أيضًا رباط سوسة الذي شيده زيادة الله بن
إبراهيم بن الأغلب سنة 206هـ، 821م. ويتكون تخطيطه من بناء مربع يبلغ طول
ضلعه 39م تقريبًا، وشيدت جدرانه من الحجر، ودعمت بأبراج دائرية الشكل،
تستخدم للمراقبة، ووزعت أبراج الرباط على امتداد أسواره وزواياه الخارجية.
انتشرت الأربطة في الحجاز، ومن أشهرها رباط الأغوات
بالمدينة المنورة. وهو يعد نموذجًا من الأربطة التي تلاشت عنها وظيفتها
العسكرية؛ حيث شيد ليكون مأوى للمتعبدين. وكُتِبَ على المدخل الرئيسي
للرباط نص يحتوي على اسم مؤسسه ياقوت المظفري المنصوري المارداني. وقد هدم
الرباط الآن بسبب أعمال التوسعات الحديثة في مسجد الرسول ³.
الأضرحة أو
الروضات. من أهم العمائر التي اعتُني بتشييدها في العصور
الإسلامية المختلفة، حيث كان يدفن فيها أهل الفضل من المسلمين أو أصحاب
الجاه من السلاطين والأمراء. ويعد ضريح الرسول ³ أول ضريح في الإسلام. وكان
الضريح أصلاً هو حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها التي توفي فيها الرسول ³
وكان موقع هذه الحجرة خارج حدود المسجد من الجانب الشرقي. وفي زيادة
الوليد بن عبدالملك لمسجد الرسول ³ أدخلت الروضة المباركة إلى داخل المسجد.
أما القبة الخضراء التي تعلو الضريح فترجع إلى عصر المماليك.
وأول ضريح خطط في الإسلام ضريح الخليفة العباسي المستنصر
بالله الذي يعرف بقبة الصليبية، ثم انتشرت بعد ذلك عمارة الأضرحة في
العالم الإسلامي وبخاصة في العراق وإيران والهند ومصر. ومن أشهر الأضرحة
الإسلامية ضريح إسماعيل الساماني في بخارى، وضريح تيمورلنك في سمرقند،
وضريح الإمام البخاري الذي يقع في قرية خاجاه صاحب على بعد 30كم من سمرقند،
وضريح تاج محل بالهند، ومقابر الأئمة الزيدية في صنعاء، ومقابر السعديين
في مراكش، وأضرحة سلاطين المماليك بالقاهرة.
وصارت الأضرحة تلحق بعمائر دينية أخرى كالمدارس
والمساجد، ومن أقدم أمثلتها ضريح السلطان نور الدين محمود في سوريا 541هـ،
1146م. ثم انتقل هذا التأثير إلى مصر في عصر الأيوبيين وانتشرت انتشارًا
واسعًا في عهد سلاطين المماليك، حيث أصبحت تلحق بالأضرحة مساجد ومدارس
وأسبلة وخانقاوات وغيرها.
من أشهر الأضرحة الإسلامية وأفخمها تاج محل بمدينة أكرا
بالهند. وهذا الضريح يمثل قمة ما وصلت إليه فنون العمارة في العصر المغولي
بالهند. وقد شيد هذا الضريح السلطان شاه جهان سنة 1041هـ، 1631م ليكون
ضريحًا لزوجته ممتاز محل، ويعتبر تصميمه قمة من ناحية التخطيط المعماري
والأسلوب الزخرفي.
المنشآت المائية.
تعد المنشآت المائية من العمائر التي لها صلة مباشرة بالعمائر الدينية
لكونها كانت تبنى من قبل القادرين من الناس ابتغاء وجه الله وكسبًا لثوابه
وطمعًا في مغفرته سبحانه. والإسلام دين الطهارة، وتعتمد شعائره على الماء
بشكل أساسي، ولذا حرص المسلمون على بناء هذه المنشآت التي بقيت منها نماذج
رائعة في الآثار الإسلامية، من أهمها الأسبلة والحمامات، والآبار والقناطر
والسقايات وأحواض الدواب وبرك تخزين المياه، وغيرها الكثير مما يشهد على
عظمة المسلمين وحبهم للإنفاق في وجوه البر والأعمال التي تنفع الناس. ومن
أشهر الأسبلة والسقايات في العالم الإسلامي مجموعة أسبلة السلطان قايتباي
بالقدس والقاهرة والحجاز، وأسبلة محمد علي باشا بالقاهرة، وسبيل السلطان
أحمد في إسطنبول بتركيا.
أما أشهر الأسبلة في الحجاز فتلك التي شيدها الملك
عبدالعزيز آل سعود على طريق الحجاج الواقع بين مكة وجدة. وفي سوريا يوجد
سبيل ساحة بزة، وسبيل اشقتمر الواقع أمام جامع السكاكيني بحلب، وقد شيد
السبيل بالحجر المنقوش ومازال يحتفظ بتاريخ تأسيسه من قبل السلطان اشقتمر
سنة 773هـ (1371م). وقد جرت العادة أن يبنى فوق السبيل كتَّاب لتعليم
الأطفال. وكانت الأسبلة تزود بالماء عن طريق الصهاريج التي كانت تبنى في
أسفل كتلة السبيل.
ومن المنشآت التي لها صلة بالماء الحمامات ، وهي من
الأبنية المهمة في مختلف العصور الإسلامية نظرًا لأهميتها في التطهر
والنظافة. وكان يراعى في تخطيطها أن تصمم بحيث تتيح للمستحم أن ينتقل
تدريجيًا من الجو الحار إلى الجو البارد حتى لا يصاب بأذى. ومن أشهر
الحمامات التي مازالت قائمة وأقدمها حمام الصرح وحمام قصير عمره الواقعان
في بادية شرقي الأردن، ويعود تاريخ إنشائهما إلى العصر الأموي. أما القاهرة
فأشهر حماماتها يعود إلى عصر المماليك ومن أمثلتها حمام بشتاك وحمام
السلطان المؤيد . وفي سوريا يوجد حمام بزة الذي يقع بمدينة حلب.
ومن المباني التي لها صلة بالمنشآت المائية بئر الرملة ،
وهي تعد من أشهر الآثار المائية في الآثار الإسلامية بعد مقياس النيل
بالقاهرة، وقد شيدها الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي مازال اسمه محفورًا
على نقش تأسيسها المؤرخ في عام 172هـ، 788م. والبئر محفورة تحت سطح الأرض
وكسيت جدرانها بالحجارة المغطاة بطبقة من الملاط. ويوجد بالبئر حوائط ساندة
قوية تمتد من الشرق إلى الغرب، وأخرى تمتد من الشمال إلى الجنوب. وتعد بئر
يوسف من الآثار المائية التي يعود تاريخها إلى عهد الأيوبيين، وتقع بقلعة
الجبل التي شيدها السلطان صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة. وقد حفرت البئر في
الصخر بعمق يتجاوز أكثر من 80 م، وأشرف على حفرها الوزير بهاء الدين
قراقوش، وكان الماء يستخرج من عمق البئر على مرحلتين.
يعد مقياس النيل من أشهر الآثار المائية في الآثار
الإسلامية، ويقع بجزيرة الروضة بمدينة القاهرة. والمقياس عمومًا يعد من
المباني المعمارية الوثيقة الصلة بحضارة مصر؛ إذ كانت تحدد من خلاله مناسيب
المياه في نهر النيل، وذلك لعلاقتها المباشرة بمواسم الزراعة وجباية
الخراج. وقد شيد مقياس النيل بأمر من الخليفة العباسي المتوكل على الله عام
247هـ،861م. وهو يعد ثالث مقياس في مصر في العصر الإسلامي.
والقناطر من المباني التي لها صلة أيضًا بالمنشآت
المائية، حيث حظيت من المسلمين بعناية كبيرة، وكان بناء مثل هذه المباني
يتطلب نفقات كبيرة حيث كانت تبنى بغرض حمل الماء من أماكن بعيدة وتوصيله
إلى مناطق تفتقر إلى وجود الماء. ومن أشهر ما شيد من هذه القناطر في الآثار
الإسلامية وأقدمها قناطر أحمد بن طولون التي شيدها بمنطقة البساتين
بالقاهرة في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي. وفي المغرب الأقصى شيد
الخليفة يعقوب المنصور الموحدي قناطر كانت تمتد إلى أكثر من اثني عشر ميلاً
لتحمل الماء إلى مدينة رباط الفتح. ومن القناطر المشهورة أيضًا بفنها
الإنشائي والهندسي قناطر محمد علي بالقناطر الخيرية.
كما تعد أحواض الدواب من المباني التي لها صلة وثيقة
بالماء. وقد شيدت من أجل توفير الماء لشرب الدواب. وفي هذا رحمة كبيرة
بالحيوان الذي أوصى به الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وكذلك رسولنا
الكريم ³ في أحاديثه الشريفة. ومن أشهر أحواض الدواب في الآثار الإسلامية،
تلك التي بناها السلطان قايتباي بجوار مدرسته بصحراء المماليك بالقاهرة في
عام 883هـ، 1478م. وفي المغرب الأقصى شيد الخليفة يعقوب المنصور الموحدي
بمدينة الرباط سقاية لشرب الدواب.
أما النواعير (السواقي) فتعتبر مدينة حماة الأولى في
العالم المشهورة بكثرة نواعيرها الموزعة على ضفاف نهر العاصي، ومازال عدد
كبير منها قائمًا اليوم وقيد العمل، غير أنها لم توصل المياه إلى الأحياء
لخدمة البيوت والحمامات والمساجد، وأصبحت مقصورة اليوم على ري البساتين.
أما المواجل (الفسقيات) فهي من المباني التي لها صلة
بالمنشآت المائية وهي صهاريج كبيرة تجمع فيها المياه. ومن أشهر المواجل في
الآثار الإسلامية مواجل الأغالبة بتونس التي شيدت في عهد الأغالبة، وهي
صهريج كبير كانت تتجمع فيه مياه الأمطار ليشرب منه أهل القيروان.
المنشآت المدنية
تعتبر المنشآت المدنية من العمائر الإسلامية ذات الطابع
المدني التي تختلف وظائفها بين التجارة ومباني الرعاية الاجتماعية. وقد
تعددت هذه المنشآت، وبقيت آثارها في كثير من الأقطار الإسلامية، ومما بقي
من هذه العمائر مجموعة كبيرة من الخانات والوكالات والبيمارستانات والقصور
والدور والطرق والدروب وغيرها. ومن أهمها المباني التجارية وهي تضم :
الوكالات والخانات والفنادق والقيساريات. وجميعها تؤدي وظيفة واحدة وهي
أنها مآوي التجار والمسافرين والقوافل سواء في داخل المدن أو خارجها. يتكون
التخطيط المعماري لكل منها من فناء داخلي أوسط مكشوف تحف به مبان من عدة
طوابق أسفلها حجرات تلتف حول أضلاع الفناء من الداخل. وتُستغل هذه الحجرات
لعرض وخزن بضائع المقيمين في هذه المنشآت، ويعلو الطابق السفلي غرف
الإقامة. وتمتاز تلك المنشآت بمبانيها المتينة وأسوارها العالية المدعمة
بأبراج ومداخلها الضخمة، وذلك للحفاظ على البضائع المخزونة أو المعروضة
بها.
الخانات.
من المرجح أن طراز الخان بدأ ظهوره في إيران. وانتقل منها إلى مصر وآسيا
الصغرى وسوريا.
ومن أشهر الخانات في العالم الإسلامي خان عطشان. وهو يقع
في منتصف الطريق بين الأخيضر والكوفة، وربما يرجع بناء خان عطشان إلى عصر
بناء الأخيضر نفسه، أي إلى عام 161هـ، 778م. ويتكون التخطيط المعماري لخان
عطشان من مربع يبلغ طول ضلعه 25م، تحيط به من الخارج أسوار ضخمة مدعمة
بأبراج، ويقع المدخل في الجانب الشمالي. والخان من الداخل قد اندثرت معظم
أجزائه المعمارية، وتدل الحجرات الباقية على أنها سقفت بأقبية نصف
أسطوانية. ومن أشهر الخانات في آسيا الصغرى خان السلطان قونيه ويطلق عليه
هناك سلطان خان ـ شيده السلطان علاء كيكياد الأول 630هـ، 1232م. ولعلاء
الدين هذا خان آخر في مدينة قيصرية في سيواس. ومن الخانات السلجوقية في
آسيا الصغرى خاتون خان، وهو يقع على الطريق بين مدينة أماسيا وتوقات. وقد
شيد خان خاتون عام 636هـ، 1238م. ومن أشهر الخانات في سوريا خان جقمق، نسبة
إلى الأمير سيف الدين جقمق نائب السلطنة بدمشق بين عامي 822هـ و 824هـ، و
خان رستم باشا، الذي شيد عام 969هـ، 1561م بدمشق في وسط سوق المنصورية. أما
في القاهرة فيعرف أشهر خاناتها باسم خان الخليلي الذي شيده الأمير
المملوكي جهاركس الخليلي في القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي،
ويشتهر خان الخليلي الآن بتجارة العاديات والمصوغات العربية الدقيقة. وقد
أعاد السلطان الغوري بناءه في أوائل القرن العاشر الهجري، السادس عشر
الميلادي. ومن أشهر وكالات القاهرة وكالة السلطان الغوري 909هـ، 1504م، وهي
تقع بحي الأزهر، وتصميمها المعماري يتبع التخطيط التقليدي لعمارة الخان،
حيث تتكون الوكالة من فناء داخلي أوسط تحيط به مبانٍ متعددة الطوابق،
السفلي منها يشتمل على حجرات. وللوكالة مدخل واحد.
البيمارستانات.
من بين المنشآت المدنية المهمة حيث عني الإسلام بصحة الأبدان، وحث على
الاستشفاء ومعالجة الأمراض. وكان من مظاهر ذلك أن حرص المسلمون على إنشاء
البيمارستانات (المستشفيات) والعناية بتزويدها بكل ما يلزمها من أطباء
وأدوات طبية وتأمينية لاستمرارها في خدمة المرضى. أوقف عليها المسلمون
الأوقاف الكثيرة من أجل توفير مصادر الإنفاق. ومن بين أشهر البيمارستانات
في العالم الإسلامي بيمارستان السلطان المنصور قلاوون بمدينة القاهرة الذي
بُني عام 684هـ، 1285م. وقد وظَّف السلطان قلاوون في بيمارستانه أطباء في
جميع التخصصات، وكذلك الصيادلة والممرضين والسعاة، وزود عمارة البيمارستان
بالأثاث والأدوات والأدوية اللازمة لعلاج المرضى. ومن أشهر بيمارستانات
سوريا بيمارستان النوري الذي شيده السلطان نور الدين محمود في دمشق في
القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، كما شيد السلطان نور الدين
بيمارستانًا آخر بمدينة حلب. وقد خططت عمارة البيمارستان من صحن أوسط
وأربعة إيوانات متقابلة وأربع قاعات رئيسية موزعة في أركان البناء، وغطيت
جميعها بأقبية. ومن أشهر البيمارستانات في آسيا الصغرى (تركيا) في العصر
السلجوقي بيمارستان سيواس الذي يعد من أكبر البيمارستانات في منطقة
الأناضول، وقد شيده السلطان عز الدين كايكاوس الأول عام 614هـ، 1217م، كما
تنص على ذلك الكتابة الأثرية المنقوشة على المدخل الرئيسي.
الطرق والدروب.
عني المسلمون بإصلاح الطرق والدروب التي تربط بين المدن، وبخاصة تلك التي
تصل الأقطار الإسلامية بالمدينتين المقدستين مكة والمدينة، وذلك من باب
التيسير على الحجاج. ومن أهم الآثار الإسلامية المدنية في الجزيرة العربية
درب زبيدة، وهو طريق كان يسلكه الحجاج القادمون من العراق إلى مكة المكرمة.
وقد عنيت بتمهيده السيدة زبيدة زوج الخليفة العباسي هارون الرشيد، وذلك من
أجل تيسير سبل الحج. وقد أنشأت على امتداد الطريق منازل زودتها بالمرافق
اللازمة لخدمة المسافرين. وقد بلغت هذه المنازل نحو خمسين منزلاً، كما كانت
لهذا الطريق أيضًا أهمية في تيسير سبل التجارة، وفي ازدهار بعض المواقع
العمرانية الواقعة على امتداده.
القصور والدور.
إلى جانب حركة بناء المساجد، فإن هناك مشروعات معمارية أخرى كالقصور
العديدة والدور التي شيدت على أيدي المسلمين في الأمصار الإسلامية ولم يكتب
لها البقاء كما كتب للعمائر الدينية؛ حيث إن مثل هذه العمائر المدنية التي
تقع داخل المدن أدعى إلى الزوال والاندثار من القصور التي تُبنى في
البادية. ومن أشهر القصور في الآثار الإسلامية مجموعة القصور الأموية
والعباسية التي كشف عنها مؤخرًا في صحراء ببادية الشام، وأشهرها : قصر
الأخيضر، وقصر الجوسق الخاقاني، وقصر العاشق.
أما الأندلس فما زالت تحتفظ بأعظـم وأشهر القصور
الإسلامية، ومن أشهرها قصر الحمراء الذي يقع بمدينة غرناطة، ويتكون تخطيطه
المعماري من مجموعة عمائر مستقلة شيدت على مراحل متتابعة بدأها السلطان أبو
الحجاج يوسف الأول من بني الأحمر عام 733هـ، 1333م. ومن أهم وحدات القصر
الإسلامية يقصد بالآثار عمومًا الأشياء التي صنعها الإنسان أو استعملها من
مسكن وأثاث وأدوات وفن، ثم خلّفها وراءه. وقد عرفت البشرية منذ القدم بعض
مظاهر العناية بالأشياء القديمة؛ ذلك أن الاهتمام بآثار السلف، والحرص على
امتلاكها وتخليد ذكرى أصحابها والاستمتاع بجمالها مرتبط بالنوازع والغرائز
البشرية التي تمثل حب التملك وتذوق الجمال وحب المعرفة.
حرص المسلمون بدورهم على جمع التحف الثمينة؛ إذ كانت
قصور الأمويين والعباسيين والفاطميين والأندلسيين وغيرهم تزخر بالكثير من
الآثار والتحف الثمينة والنادرة، فليس أدل على ذلك مما ذكره المؤرخون عما
أخرج من قصر الخليفة الفاطمي من الكنوز والتحف. ولم تقتصر عناية المسلمين
بالتحف المنقولة فقط، بل امتدت إلى العمائر القديمة على مختلف أنواعها من
دينية ومدنية وعسكرية، وحظيت المباني الدينية بأكبر نصيب من الصيانة
والحفظ. ومن ثم كان معظم ما وصل إلينا من آثار معمارية قديمة عبارة عن مبان
دينية من مساجد ومدارس وزوايا وخانقاوات وأضرحة ومكاتب وأسبلة وتكايا..
وغيرها، إلى جانب ما وصل إلينا من تحف منقولة مثل التحف الخشبية والزجاجية
والعاجية والمعدنية والخزفية والجصية والبلور الصخري والمنسوجات والمخطوطات
المصورة وغيرها.
للآثار الإسلامية قيمة كبيرة بين آثار العالم؛ لأن
رقعتها تمتد بصفة أساسية من الشرق إلى الغرب في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وقد وضحت عناية المسلمين بالآثار والكتابة عنها عملاً
بالآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان
عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارًا في الأرض فما أغنى
عنهم ما كانوا يكسبون﴾ غافر: 82. وفي القرآن الكريم إشارات أخرى كثيرة إلى
الآثار والاعتبار بها. كما حفظ لنا التاريخ الإسلامي أسماء كثير من
المؤرخين الذين عنوا بدراسة الآثار والتحف، نذكر منهم على سبيل المثال:
الأزرقي الذي كتب عن آثار مكة المكرمة، والسمهودي الذي كتب عن مسجد الرسول ³
بالمدينة المنورة و الهمداني الذي ضمن كتابه صفة جزيرة العرب كثيرًا من
المعلومات عن آثار الجزيرة العربية. ومن أشهر المؤرخين الذين كتبوا عن
الآثار المقريزي ، كما اهتم الرحالة المسلمون في العصور الوسطى بوصف الآثار
الإسلامية التي كانوا يشاهدونها أثناء رحلاتهم، ومن أشهر هؤلاء الرحالة
ناصر خسرو والرحالة ابن جبير وابن بطوطة والعبدري والوزان وغيرهم.
وفي القرن الثالث عشر الهجري، منتصف القرن التاسع عشر
الميلادي أخذت الدراسات تظهر عن الآثار والفنون الإسلامية في أوروبا، وكانت
أعمالاً موسوعية. وقد كشفت تلك الدراسات الحاجة الماسة إلى إجراء الحفريات
العلمية للبحث عن التراث المادي الإسلامي، وبالفعل بدأ التنقيب عن الآثار
الإسلامية في الشرق منذ أواخر القرن التاسع عشر. ومن أشهر مواقع التنقيب عن
الآثار الإسلامية حفائر بني حماد في الجزائر عام 1898م، وحفريات مدينة
الزهراء بالأندلس 1910م، وحفريات الفسطاط بمصر 1912م، وحفريات سامراء
بالعراق 1913م، وحفريات إيران ونيسابور 1932م.
ولا يزال الآثاريون والهيئات والحكومات يجرون حفريات في
مختلف أنحاء العالم الإسلامي للتنقيب عن الآثار الإسلامية. ومما يؤسف له أن
ظهرت نزعة بين بعض دارسي الفنون والآثار الإسلامية تهدف إلى إنكار فضل
العرب في إنشاء الفنون والآثار الإسلامية. فزعموا أن العرب لم يكن لهم من
الذوق الفني أو المهارة الصناعية أو الحذق بأساليب البناء ما يؤهلهم
للإسهام الجدي في نشأة وتطوير الفنون الإسلامية. ومن ثم أرجعوا نشأة
العمارة والفنون الإسلامية إلى تأثيرات جاءت من الشعوب غير العربية التي
دخلت في الإسلام، ومن الحضارات الأخرى المعاصرة والقديمة. والحق أن هذه
المزاعم نتجت عن جهل هؤلاء الباحثين بأوضاع العرب قبل الإسلام، وعن نظرة
سطحية سواء إلى تعاليم الإسلام أو إلى حقيقة الفنون الإسلامية نفسها.
تهتم هذه المقالة بإلقاء الضوء على ما يكنزه العالم
الإسلامي من آثار إسلامية مازالت شاخصة إلى اليوم تسجل في مجموعها سجلاً
حافلاً بالإنجازات الكبرى التي حققها المسلمون عبر سلسلة متصلة من العصور
الإسلامية.
ربما كانت العمارة الإسلامية من أهم المجالات التي
تفوَّق فيها المسلمون، حيث زاول المعماريون المسلمون بناء جميع أنواع
العمائر، فخلَّفوا لنا كثيرًا من الأبنية من دينية كالمساجد والمدارس
والكتاتيب والخانقاوات والأضرحة والزوايا، ومدنية كالقصور والبيوت
والوكالات والخانات والفنادق والحمامات والبيمارستانات والأسبلة وأحواض
الدواب والقناطر والصهاريج والبرك، وعسكرية كالقلاع والحصون والأبراج
والأسوار والأربطة وأبواب المدن.
وقد بقيت نماذج كثيرة من هذه العمائر الإسلامية في مختلف
الأقطار الإسلامية. وكان لكل من هذه الأنواع تصميمه الخاص به، والملائم
لوظيفته. كما اختلفت طرزها باختلاف العصور والأقطار. وتتميز العمارة
الإسلامية بوحدات وعناصر معمارية خاصة بها كالمآذن والقباب والمداخل
والواجهات والمقرنصات، وغيرها. ومن الأفضل أن نستعرض الآثار المعمارية من
خلال تصنيفها الوظيفي.
المنشآت الدينية
تمثل المقام الأسمى بين العمائر سواء من حيث كثرة العدد
ودرجة الحفظ إلى جانب كونها مازالت تؤدي وظيفتها التي شيدت من أجلها منذ
مئات السنين، على عكس العمائر الأخرى. تنقسم المنشآت الدينية إلى مساجد
ومدارس وأضرحة وزوايا وخانقاوات وأربطة.
المساجد.
من أشهر المساجد الأثرية وأظهرها المسجد الحرام بمكة المكرمة ومسجد الرسول
³ بالمدينة المنورة.
المسجد الحرام. للمسجد الحرام طرازه الخاص بين المساجد.
وهو يعرف بالبيت الحرام والبيت المحرم والبيت العتيق . ويسمى أيضًا الكعبة
المشرفة لتكعيبه أي تربيعه. وهو بيت الله الذي فرض الله الحج إليه لمن
استطاع إليه سبيلاً، وقبلة المسلمين في صلاتهم. وليس من شك في أن بناء
الكعبة لحقته بعض الترميمات في العصور المختلفة. يرجع الفضل إلى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه في إزالة الدور والبيوت التي كانت تحيط بالكعبة
وبالمطاف، وإليه أيضًا، يرجع الفضل في بناء أول جدار حول الكعبة. وفي عام
26هـ في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه جعل للمسجد أروقة. وفي 44هـ، في
عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (ت 60هـ) أُدخل المنبر لأول مرة إلى
المسجد، وكان النبي ³ يخطب الجمعة في المسجد الحرام، وهو واقف على الأرض.
وفي عهد الوليد بن عبدالملك أجريت للمسجد الحرام عمارة كبرى، ثم توالت بعد
ذلك أعمال التوسيع والترميم على عمارة الحرم، ومن أهمها عمارة المماليك في
القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) على يد السلطان الناصر فرج بن
برقوق (802هـ) والسلطان الأشرف برسباي في عامي 825 و826هـ. ومن أهم الأعمال
التي تمت حينذاك بناء عشرات العقود وتجديد كثير من أبواب المسجد وتعمير
سقوفه وطلاؤها وإصلاح سقف الكعبة ورخامها وأخشابها.
بسيطرة العثمانيين على مصر انتقلت إليهم بصفة رسمية
السيادة على الحجاز ورعاية الحرمين بمكة والمدينة. وصار السلطان العثماني
يلقب منذ ذلك الوقت بخادم الحرمين الشريفين. ونتيجة لعمارة العهد العثماني
أصبح المسجد مستطيل الشكل تحيط به أروقة من جهاته الأربع، ترتكز سقفها على
أعمدة معظمها من الرخام. وتقوم الكعبة في وسط الحرم ولكنها تميل إلى
الجنوب، ويحيط بها المطاف، وهو مرصوف بالرخام. وأهم المزارات الدينية بحرم
الكعبة مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ وحجر إسماعيل ـ عليه السلام ـ وبئر
زمزم. انظر: الكعبة
المشرفة.
المسجد النبوي الشريف. لما هاجر الرسول ³ من مكة إلى
المدينة بُني له منزل، وأُخذ من الفضاء الموجود أمام المنزل فناءٌ واسع
يقال : كان به مربد ملكٌ لغلامين يتيمين في المدينة هما سهل وسهيل، وهذا
الموضع هو الذي بركت فيه ناقة الرسول ³ يوم أن دخل إلى المدينة مهاجرًا،
ولذلك اختار الرسول ³ هذا الموضع ليكون مسجدًا للمسلمين؛ فأمر بتمهيد أرضه
وبناء المسجد واشترك هو نفسه ³ في البناء، وتأسى به سائر المسلمين في
المدينة.
كان تخطيط المسجد الأول في عهد النبي مكونًا من فناء
مربع متساوي الأضلاع تقريبًا، تحف به جدران أربعة بنيت من اللبن على أسس من
الحجارة، وجعلت القبلة في الجدار الشمالي من حجارة منضودة بعضها فوق بعض.
وأمر الرسول ³ أن يبنى في الطرف الجنوبي من الجانب الشرقي مسكنان لزوجتيه:
أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، وأم المؤمنين سودة بنت زمعة. ثم بنيت في
جهة القبلة سقيفة من جريد لتقي الناس من حرارة الشمس وهم وقوف في الصلاة.
وكانت هذه السقيفة مغطاة بسعف النخيل، وترتكز على جذوع النخل، وعندما تحولت
القبلة إلى الجنوب تجاه مكة المكرمة أقيمت بالمسجد سقيفة أخرى في الجهة
الجنوبية على غرار السقيفة القديمة التي بقيت يستظل بها فقراء المدينة من
المسلمين، وبذلك أصبح للمسجد جزء مكشوف في الوسط هو الصحن (الفناء)،
وظُلتان إحداهما في الشمال والأخرى إلى الجنوب. وبعد نحو سبع سنوات من
الهجرة ضاق المسجد بالمصلين؛ فأمر الرسول ³ بتوسيعه، فأصبح طول كل ضلع
بالمسجد مائة ذراع. وصار جدار المسجد الشرقي ملتصقًا ببيوت النبي ³.
وكان للمسجد في عهد الرسول ³ ثلاثة أبواب ظلت في أماكنها
حتى اليوم على الرغم من التوسعات الجديدة. ومازالت هذه الأبواب تعرف
بأسمائها، وهي: باب جبريل وسط الجدار الشرقي، وباب النساء في شماله،
ويقابله باب الرحمة في الجدار الغربي، ولم يكن المسجد يشتمل على مئذنة؛ إذ
كان المؤذن ينادي للصلاة من فوق سطح أحد المنازل العالية المجاورة للمسجد.
ومن الجدير بالذكر أن تخطيط المسجد النبوي بالمدينة صار النموذج الذي خططت
عليه مساجد الأمصار الإسلامية في المدن الجديدة التي أنشئت عقب الفتوح
الإسلامية مثل: مسجد البصرة ومسجد الكوفة ومسجد عمرو بن العاص بالفسطاط،
ومسجد عقبة بن نافع بالقيروان.
حظي مسجد الرسول ³ بعناية شديدة من قبل الخلفاء الراشدين
وغيرهم من حكام المسلمين، فتوالت يد التوسيع التي كان يتطلبها المسجد من
وقت لآخر نظرًا لاتساع رقعة الدولة الإسلامية وازدياد عدد المسلمين. وكان
من أهم أعمال التوسيع بمسجد الرسول ³ تلك التي قام بها الوليد بن عبدالملك،
91هـ (709م) حيث روعي في عمارة الوليد أن يتحقق في بناء مسجد الرسول ³ ما
تطور إليه فن العمارة الإسلامية حتى ذلك الوقت من تقدم، مع المحافظة على
التراث المعماري الذي يرجع إلى العهد النبوي.
ومن الجدير بالذكر أن تخطيط المسجد النبوي قد أُدخلت
عليه بعض الإضافات والعناصر المعمارية الجديدة؛ فأصبح يتكون من صحن أوسط
وأربعة أروقة تحف به. وصار له أربع مآذن ومحراب مجوف وأعمدة من رخام. ونقلت
المداخل القديمة إلى الجدران الجديدة وحوفظ على وضعها في الاتجاهات
القديمة التي كانت عليها وقت النبي ³. أما القبة الخضراء التي تعلو الضريح،
فقد أضيفت إلى المسجد في عصر دولة المماليك.
المسجد الأقصى. أنشأه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله
عنه، وقيل إن الوليد بن عبدالملك أعاد بناءه سنة 87هـ، 706م. ويقع المسجد
في مدينة القدس بفلسطين، وهو يجاور قبة الصخرة من الجهة الشرقية. وقد تعرض
المسجد لزلزال كبير في نهاية العصر الأموي؛ مما جعل الخليفة أبا جعفر
المنصور يأمر بإعادة بنائه وتجديده. وفي عهد الخليفة المهدي شهد المسجد
الأقصى أعمالاً معمارية كثيرة، أهمها يتعلق بتخطيط المسجد حيث أصبح يتكون
من خمس عشرة بلاطة، تمتد من الشمال إلى الجنوب وأكبرها اتساعًا وارتفاعًا
البلاطة الوسطى. وبصدر جدار القبلة محراب تعلوه قبة. وفي العصر الفاطمي
تغير تخطيط المسجد؛ وأصبح يتكون من سبع بلاطات فقط، أكبرها اتساعًا
وارتفاعًا البلاطة الوسطى، وهو نفس التخطيط الذي عليه المسجد الآن. وللأسف
الشديد تعرض المسجد الأقصى لأعمال تخريب كان آخرها على يد اليهود، عندما
أحرقوا أجزاء كثيرة منه.
ومن أشهر العمائر الدينية في بلاد الشام قبة الصخرة ،
التي شيدت على أيدي الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان عام 66هـ. (685م).
ورصد لبنائها خراج مصر لسبع سنوات. وعهد الخليفة بالبناء إلى اثنين من
مهندسيه هما رجاء بن حيوة الكندي، ويزيد بن سلام. وقد شرعا في بناء القبة
عام 66هـ، وفرغا من بنائها عام 72هـ، 691م. وقد سجل هذا التاريخ على شريط
كتابي مكتوب بالخط الكوفي داخل القبة التي تقع وسط هضبة صخرية كبيرة تسمى
اليوم بالحرم. ويقع على امتدادها المسجد الأقصى . ويتكون التخطيط المعماري
لقبة الصخرة من مثمنين. الداخلي منهما أصغر حجمًا من الخارجي. ويتوسط
المثمن الداخلي كرسي القبة الذي يحيط بالصخرة، وهو يتكون من أربع دعامات
مستطيلة الشكل تحصر فيما بينها 12 عمودًا من الرخام، ثلاثة على جانبي كل
دعامة. وترتكز على كل من الدعائم والأعمدة مجموعة عقود عددها 24 عقدًا تحمل
القبة التي ضمها المعمار من مستويين بينهما فراغ، وقد صُنع طابقا القبة من
الخشب. ويتميز المثمن الداخلي منهما بتغطيته بالجص الملبس بالفصوص
المذهّبة، ونقشت عليه آيات من القرآن الكريم من سورتي البقرة (آية الكرسي)
وطه، أما طبقة القبة الخارجية فقد صنعت من ألواح الخشب أيضًا، وصحفت
بالنحاس الأصفر.
الجامع الأموي. تحتفظ سوريا بأعظم مساجد عصر الخلافة
الأموية وهو مسجدها الجامع الأموي بدمشق الذي بناه الوليد بن عبدالملك سنة
87هـ، 706م. ويحتفظ الجامع الأموي الآن بمعظم عناصره المعمارية القديمة على
الرغم من الحرائق التي تسببت في إتلاف أجزاء كثيرة منه.
الشكل المعماري للمسجد الأموي مستطيل طوله 60م تقريبًا
وعرضه مائة متر، ويتكون من الداخل من صحن أوسط مكشوف تحف به أربعة أروقة
أكبرها رواق القبلة الذي يتكون تخطيطه من ثلاث بلاطات عرضية تمتد من الشرق
إلى الغرب، يقطعها من النصف بلاطة وسطى ميّزها المعمار بأن جعلها أكثر
اتساعًا وارتفاعًا. وتنتهي البلاطة الوسطى إلى المحراب الرئيسي. ويغطي
البلاطة الوسطى سقف جمالوني تتوسطه قبة كبيرة تعرف باسم قبة النسب .
وبالجامع ثلاث مآذن، اثنتان منها تحتلان الركنين الجنوبيين الشرقي والغربي.
تعرف المئذنة الشرقية باسم مئذنة عيسى، وتعرف الغربية باسم المئذنة
الغربية، أما المئذنة الثالثة فتدعى مئذنة العروس، وموضعها في جانب الباب
الشمالي من باب الفراديس.
مسجد عمرو بن العاص أول مسجد في قارة إفريقيا بشكل عام
ومصر بخاصة، وقد بناه الصحابي الجليل عمرو ابن العاص عند تأسيسه لمدينة
الفسطاط عام 21 هـ. ويعرف جامع عمرو بن العاص بأسماء عديدة منها: تاج
الجوامع والجامع العتيق وجامع أهل الراية والجامع العمري . ولقد خطط عمرو
بن العاص جامعه على غرار مسجد الرسول ³ في المدينة، حيث كان مستطيل الشكل
وتبلغ مساحته 30 × 50 ذراعًا. وقد غطي سقفه بسعف النخيل وبنيت جدرانه من
اللبن، وشيدت أعمدته من جذوع النخل. وقد مر جامع عمرو بن العاص بمراحل
معمارية مهمة في كل العصور الإسلامية، أهمها في العصر الأموي عندما قام
مسلمة بن مخلد الأنصاري (50هـ) والي مصر في عهد معاوية بن أبي سفيان ببناء
أربع صوامع للجامع، وجعل له صحنًا واسعًا.
جامع أحمد بن طولون من أشهر مساجد مصر الأثرية شيده أحمد
بن طولون وسط مدينته الجديدة المعروفة بالقطائع عام 263هـ، ويقال : إن
جامع ابن طولون شيد على غرار جامع سامراء في العراق. وأهم ما يميز جامع بن
طولون مئذنته الفريدة المعروفة باسم الملوية .
الجامع الأزهر من مساجد مصر الشهيرة شيده الفاطميون داخل
مدينة القاهرة عام 261هـ. ويعد الجامع الأزهر من أشهر مساجد العالم
الإسلامي نظرًا لدوره الكبير في تدريس علوم الدين ونشر الدعوة. وقد تخرج
فيه أشهر علماء الإسلام في العالم الإسلامي.
مسجد الجامع بالقيروان من أشهر المساجد في المغرب
والأندلس وأقدمها، وقد شيده عقبة بن نافع عام 50هـ، 670م بمدينة القيروان،
وهي رابع مدينة أحدثت في الإسلام بعد البصرة والكوفة والفسطاط، وقد جدد
المسجد مرة أيام حسان بن النعمان عام 80هـ، 699م، وزاد فيه بعد ذلك بشر بن
صفوان عامل الخليفة هشام بن عبدالملك، زيادة كبيرة عام 105هـ (723م)، ومن
أهم ملامح تلك الزيادة الصومعة الفريدة التي تعد أقدم مئذنة قائمة في
العالم الإسلامي. ويتكون التخطيط المعماري لجامع القيروان من صحن أوسط
وأربعة أروقة أكبرها رواق القبلة الذي ما زال يحتفظ بمحرابه القديم الذي
نصب على يد عقبة بن نافع. ومن أشهر المساجد التونسية أيضًا مسجد الزيتونة
الذي شيده عبيدالله بن الحبحاب عام 114هـ (732م). وقد شهد المسجد أعمالاً
معمارية كبيرة في عهد الأغالبة 248هـ (862م).
مسجد تلمسان الجامع في الجزائر وهو أشهر مساجدها ويعود
إلى عصر المرابطين، وقد شيده أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين عام
530هـ. ويتكون تخطيط المسجد من صحن وأربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة الذي
يحتفظ بأعظم قبة فوق محرابه؛ إذ تعبر زخارف القبة المفرغة في الجص عن
التطور الفني المعماري والزخرفي في عصر المرابطين.
جامع القرويين بفاس يعد من أشهر مساجد المغرب، لاسيما
وأنه استخدم كجامعة إسلامية قبل جامعة الأزهر، كما كان له أثره في الطراز
المعماري للمساجد في بلاد المغرب، وقد أنشأته فاطمة القروية ابنة محمد
الفهري سنة 245هـ، 859م، في عدْوة القرويين. ويتكون التخطيط المعماري
للمسجد من صحن أوسط تحف به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة. وأهم ما يميز
رواق القبلة مجموعات القباب المقرنصة، التي تعد تحفة فنية تشهد على عظمة
المعمار المغربي في عصر المرابطين، وكذلك صومعة المسجد التي تعد النموذج
الذي شيدت على غراره معظم صوامع المساجد المغربية.
ومن أشهر المساجد المغربية في عصر الموحدين مسجد الكتبية
الجامع بمدينة مراكش وصومعته الشهيرة، ومسجد حسان بمدينة الرباط.
جامع قرطبة في الأندلس من أعظم الآثار الإسلامية
القائمة، يعد ثالث المساجد الكبرى مساحة بعد مسجدي سامراء وأبي دلف اللذين
اندثرا. ويرجع بناء جامع قرطبة إلى الأمير عبدالرحمن الداخل عام 170هـ
(786م). وقد شهد جامع قرطبة عدة توسعات، كان أهمها في عهد الخليفة
عبدالرحمن الناصر سنة 340هـ، 951م، وفي عهد الحكم المستنصر بالله 351هـ،
961م، وأخيرًا في عهد المنصور بن أبي عامر 377هـ، 987م. وأعظم ما يميز جامع
قرطبة محرابه الفريد وقبابه الرائعة المشيدة من شبكة من الضلوع الحجرية.
أما في مدينة إشبيليا فيوجد جامع القصبة الموحدي الذي لم يبق منه إلا
صومعته المعروفة بالخيرالدة التي شيدها الخليفة يعقوب المنصور الموحدي عام
591هـ.
ومن أشهر المساجد في إيران المسجد الجامع بأصفهان، وهو
يمثل عدة مراحل معمارية، يعود أولها إلى العصر العباسي في القرن الثالث
الهجري. ثم أجريت تعديلات مهمة في تخطيط الجامع في العهد السلجوقي، تتمثل
في التخطيط الإيواني والقبة الكبيرة بإيوان القبلة.
أما في الهند فمازالت المساجد التي شيدت في ظل وجود
الدولة الإسلامية هناك باقية إلى اليوم. ومن أشهر تلك المساجد مسجد قوة
الإسلام في دلهي. وهو مشهور بمئذنته المعروفة بقطب منار نسبة إلى الأمير
قطب الدين أيبك أول سلاطين مماليك الهند في القرن السادس الهجري (الثاني
عشر الميلادي). ومن أشهر مساجد الهند أيضًا التي تعود إلى العهد المغولي
جامع فاتح بور ـ سيكري ويقع جنوبي مدينة دلهي، ومسجد أكرا الجامع الذي شيده
السلطان أكبر وأتمه ابنه جاهنجير الذي ينسب إليه أيضًا بناء المسجد الجامع
. وتتميز مساجد الهند بفخامة مبانيها واستخدام القباب والإيوانات والعقود
الفارسية المنكسرة والمداخل الضخمة والصحون الواسعة والمآذن المتعددة.
وفي تركيا توجد أعظم المساجد الأثرية التي تمتاز بعظم
مساحتها وقبابها الضخمة ومآذنها الرشيقة المتعددة. ومن أشهرها جامع السلطان
أحمد بإسطنبول الذي يتألف من قاعة للصلاة مغطاة بقبة عظيمة ترتكز على
أربعة عقود تتكيء على أربعة أكتاف ضخمة. ويحف بالقبة المركزية أربعة أنصاف
قباب، وشيد محراب المسجد ومنبره من المرمر. أما صحن المسجد فهو فناء كبير
تحيط به أروقة أربعة تسقفها عشرات القباب الصغيرة، ويطلق على هذا الجزء اسم
حرم المسجد.
جامع سامراء في العراق شيد عام 234هـ، 848م في عهد
الخليفة المتوكل، ويتميز بمئذنته الفريدة المعروفة باسم ملوية سامراء ، وهو
يشبه مسجدًا آخر يعرف باسم جامع أبي دلف الذي شيده الخليفة المتوكل عام
245هـ (860م) في وسط مدينته الجديدة المعروفة باسم الجعفرية .
المدارس الإسلامية.
ظهرت في شرق العالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر
الميلادي. وقد ازدهرت حركة تأسيس المدارس في عصر السلاجقة وبخاصة على يد
الوزير نظام الملك، وبدأت في خراسان وأخذت تمتد غربًا حتى وصلت بلاد الشام
ومصر واليمن والمغرب.
ارتبط بنشأة المدارس في العالم الإسلامي ظهور طراز خاص
في العمارة الإسلامية يعرف بالطراز الإيواني. وهو صحن أوسط مكشوف يحيط
بأضلاعه أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة. وقد كانت كل المدارس التي شيدت
في العالم الإسلامي مساجد، بينما لم تكن كل المساجد مدارس. ومن المحتمل أن
تكون عمارة المدارس قد تأثرت بالإيوانات الساسانية، حيث نلاحظ هذا التأثُر
في تخطيطات المدارس العراقية والشامية والمصرية الباقية.
المدرسة المستنصرية ببغداد من أشهر مدارس العالم
الإسلامي. أمر بإنشائها الخليفة العباسي المستنصر سنة 625هـ (1227م) ويتكون
التخطيط المعماري للمدسة من فناء أوسط فسيح ذي تخطيط مستطيل الشكل، تحيط
به الإيوانات والقاعات وحجرات الطلاب، وهي تتكون من طابقين. وبالمدرسة
أربعة إيوانات لتدريس المذاهب الأربعة، ويتضح مما تبقى من زخارف المدرسة
أنها كانت تزدان بمستوى عال من الزخرفة. وبين الإيوانات توجد حجرات وقاعات
التدريس والسكن. وبقي من هذه القاعات اثنتا عشرة قاعة كبيرة. وكان بالمدرسة
ميضأة ضخمة، كما ألحق الخليفة المستنصر بمدرسته حمامًا خاصًا للفقهاء،
وبيمارستانًا لعلاج المرضى، وخزانة للكتب. ومن عجائب هذه المدرسة الساعة
المائية. كما تشتمل المدرسة على عدد كبير من النصوص الكتابية التذكارية نقش
معظمها على الآجُرّ.
مدرسة السلطان حسن بن قلاوون في مصر شيدها السلطان حسن
بن قلاوون في عام 757هـ، 1356م، واستمر العمل في بنائها ثلاث سنوات بلا
انقطاع. ويتكون التخطيط المعماري للمدرسة من صحن أوسط يتعامد على أضلاعه
أربعة إيوانات بينها بيوت لسكنى الطلاب والمدرسين. وقد خصصت الإيوانات
لتدريس المذاهب السنية الأربعة. ويحتوي إيوان القبلة على منبر ومحراب شيد
من الرخام، وهي تعدّ أعظم المدارس الإسلامية من حيث فخامة البناء وكثرة
الزخارف وتناسق التخطيط. ومن أشهر مدارس القاهرة أيضًا في العصر المملوكي
الشركسي مدرسة السلطان قايتباي الواقعة بجبانة صحراء المماليك. وتمتاز
مدرسة قايتباي بالتناسق الواضح بين عناصرها المعمارية، ويتكون تخطيطها
المعماري من قاعة وسطى مغطاة بسقف خشبي وأربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة
الذي يضم المحراب ومنبرًا للخطبة، كما تضم عمارة المدرسة ضريحًا دفن فيه
السلطان قايتباي، وسبيلاً وحوض دواب وطبقات لإقامة الصوفية. وكذلك مدرسة
السلطان الغوري وهي تشبه مدرسة السلطان قايتباي من حيث التخطيط ولكن تتفوق
عليها من حيث جمال الموقع والثراء الزخرفي.
مدرسة ابن يوسف بمراكش من أشهر مدارس المغرب الأقصى وهي
تحفة معمارية، شيدها السلطان أبو الحسن المريني عام 747هـ ،1346م. وهي
تمتاز بتناسق عمارتها وروعة زخرفتها. تتكون من الداخل من صحن أوسط مكشوف
يحفه من الجانب الجنوبي إيوان القبلة. ومن جوانبه الثلاثة الشرقية والغربية
والشمالية ثلاث ظلات تحمل جميعها حجرات وسكن الطلاب، وقد جددت عمارة
المدرسة في عصر السعديين، دون أن تغير شيئًا من عناصرها القديمة.
المدرسة البوعنانية من أشهر المدارس المغربية أيضًا، في
مدينة فاس، شيدها السلطان أبو عنان فارس بن أبي الحسن المريني عام 751هـ
(1350م). وتقع المدرسة بفاس القديمة على مقربة من جامع القرويين. وهي تعد
آخر مدارس المغرب العظيمة من حيث تخطيطها الفريد ومساحتها الضخمة وفخامة
مبانيها وروعة زخارفها. ويتكون تخطيطها المعماري من الداخل من صحن أوسط
مكشوف على جانبيه قاعتان للتدريس. وفي الجهة الجنوبية من الصحن يوجد
المسجد، الذي يضم محرابًا ومنبرًا للخطبة. وللمدرسة صومعة شيدت على غرار
صوامع المساجد المغربية. وتتميز مساجد المغرب بأنها لم تشتمل على أضرحة.
المدرسة النورية في دمشق شيدها الملك العادل نور الدين
أبو القاسم محمود بن زنكي عام 563هـ (1167م)؛ وتعد المدرسة من أهم آثار
الزنكيين في دمشق. وهي لا تزل بحالة معمارية جيدة، ويتكون تخطيطها المعماري
من صحن أوسط مكشوف تتوسطه بركة ماء وتحف به ثلاثة إيوانات أكبرها إيوان
القبلة الذي يقع في الضلع الجنوبي من الصحن. وتضم المدرسة ملاحق فيها القبة
الضريحية التي دفن فيها السلطان نور الدين.
مدرسة أنجه منار في قونية أشهر المدارس في تركيا شيدها
الوزير صاحب أتا عام 659هـ (1260م). ويتكون تخطيطها المعماري من قاعة
مركزية غطيت بقبة كبيرة، يتقدمها من الجانب الشمالي إيوان القبلة، وتضم
المدرسة قاعات للتدريس وحجرات للطلاب، تقع على جانبي القاعة المركزية.
المدرسة الأشرفية الكبرى أنشأها السلطان الملك الأشرف
إسماعيل بن الملك الأفضل الرسولي في مدينة تعز اليمنية عام 800هـ، 1397م،
وتضم المدرسة منشآت عدة وملاحق كثيرة منها خانقاه للصوفية ومكتب لتعليم
الأيتام ومدفن وبركة وميضأة. وتكوّن التخطيط المعماري للمدرسة الأشرفية من
الداخل من صحن أوسط مربع يحف به من الجهة الجنوبية مسجد كبير غطي سقفه
بمجموعة من القباب الصغيرة تلتف حول قبة كبيرة مركزية تعلو المحراب، كما
يحف بصحن المدرسة من الجانبين قاعات للتدريس.
الخانقاوات.
ومفردها خانقاه. وهي منشآت كانت تخصص لإيواء الصوفية والمنقطعين للعبادة،
وكانت تسمى في الدولة العثمانية التكايا، ومفردها تكية. وقد انتشرت هذه
الخانقاوات في الأقطار الإسلامية المختلفة، وبخاصة في إيران ومصر والشام
واليمن وآسيا الصغرى (تركيا) أما في المغرب الإسلامي، فتعرف الخانقاوات
هناك باسم الزوايا. وتجمع عمارة الخانقاه بين عدة وظائف منها المدرسة
والضريح والمسجد والسبيل وغيرها. وكانت الخانقاوات تخطط على غرار المدارس،
أي أنها كانت تتكون من صحن أوسط يحف به إيوانات وحجرات لسكن الصوفية تتكون
من عدة طوابق، وقد أسهمت الخانقاوات في النواحي التربوية والدينية
والاجتماعية.
وقد عرفت مصر الخانقاوات منذ العصر الأيوبي، وانتشرت
انتشارًا واسعًا في العصر المملوكي. ومن أهمها الخانقاه البندقدارية
بالقاهرة نسبة إلى مشيدها السلطان بيبرس البندقداري، في العصر المملوكي
البحري. وكذلك خانقاه بيبرس الجاشنكير 706هـ، 1306م وتتكون من صحن أوسط
مكشوف مستطيل الشكل يحيط به من الجانب الشمالي والجنوبي إيوانات، خصص
الجنوبي منها للصلاة. وعلى الجانبين الشرقي والغربي للصحن حجرات سكنية
لإقامة الصوفية تعرف باسم الخلاوي، وهي متعددة الطوابق، ويقع المدخل
الرئيسي في الواجهة الرئيسية. وخانقاه سيلار وسنجر الجاولي، وخانقاه الأمير
شيخو الناصري الواقعة بشارع الصليبية بجوار مسجد أحمد بن طولون. وأشهر
خانقاوات مدينة القاهرة في العصر المملوكي الشركسي خانقاه السلطان الناصر
فرج بن برقوق الواقعة بجبانة صحراء المماليك.
أما في اليمن فتعود أشهر الخانقاوات إلى عهد الدولة
الرسولية. ومن أهم أمثلتها الخانقاه الأشرفية التي شيدها الملك الأشرف
الرسول عام 800هـ. أما في سورية فترجع أشهر الخانقاوات هناك إلى العصر
المملوكي. ومن أهمها الخانقاه اليونسية، التي تعرف اليوم باسم جامع
الطاووسية، وتحتفظ الخانقاه باسم مؤسسها الأمير يونس الدودار عام 784هـ،
1383م.
الأربطة.
أماكن كان يرابط فيها الجنود المحاربون استعدادًا للجهاد. وقد اشتق اسم
الأربطة من الآية القرآنية الكريمة في قوله تعالى: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم
من قوة ومن رباط الخيل﴾ الأنفال: 60. وفي قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين
آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون﴾ آل عمران : 200.
وبتطور العصور الإسلامية صار الرباط مأوى ينقطع فيه
العباد للتعبد بعيدًا عن زخرف الحياة. وكانت الأربطة تشاد في الثغور أي على
الحدود، سواء أكانت في الصحراء أم على شواطئ البحار. وأقدم الأربطة
الإسلامية تقع في بلاد المغرب العربي، حيث شيد بمدينة إفريقية (تونس
الحالية) في القرنين الثاني والثالث الهجريين رباط المنستير ورباط سوسة.
وكان التخطيط المعماري للأربطة يتكون من صحن أوسط يحفه من الجانب القبلي
كتلة المسجد، ومن الجوانب الثلاثة الباقية حجرات إقامة المرابطين. شيَّد
رباط المنستير في تونس هرثمة بن أعين عام 180هـ، 796م ويتكون تخطيط الرباط
المعماري من مساحة مربعة يحيط بها من الخارج سور كبير شيد من الحجر، في
زواياه أبراج دائرية للمراقبة. ويضم الرباط منارة أسطوانية الشكل، ويتوسط
عمارة الرباط من الداخل صحن مربع على جوانبه حجرات مكونة من طابقين. ويضم
الرباط أيضًا ملاحق عديدة، أهمها الإسطبلات المعدة للخيل وصهاريج للمياه.
ومن أشهر الأربطة التونسية أيضًا رباط سوسة الذي شيده زيادة الله بن
إبراهيم بن الأغلب سنة 206هـ، 821م. ويتكون تخطيطه من بناء مربع يبلغ طول
ضلعه 39م تقريبًا، وشيدت جدرانه من الحجر، ودعمت بأبراج دائرية الشكل،
تستخدم للمراقبة، ووزعت أبراج الرباط على امتداد أسواره وزواياه الخارجية.
انتشرت الأربطة في الحجاز، ومن أشهرها رباط الأغوات
بالمدينة المنورة. وهو يعد نموذجًا من الأربطة التي تلاشت عنها وظيفتها
العسكرية؛ حيث شيد ليكون مأوى للمتعبدين. وكُتِبَ على المدخل الرئيسي
للرباط نص يحتوي على اسم مؤسسه ياقوت المظفري المنصوري المارداني. وقد هدم
الرباط الآن بسبب أعمال التوسعات الحديثة في مسجد الرسول ³.
الأضرحة أو
الروضات. من أهم العمائر التي اعتُني بتشييدها في العصور
الإسلامية المختلفة، حيث كان يدفن فيها أهل الفضل من المسلمين أو أصحاب
الجاه من السلاطين والأمراء. ويعد ضريح الرسول ³ أول ضريح في الإسلام. وكان
الضريح أصلاً هو حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها التي توفي فيها الرسول ³
وكان موقع هذه الحجرة خارج حدود المسجد من الجانب الشرقي. وفي زيادة
الوليد بن عبدالملك لمسجد الرسول ³ أدخلت الروضة المباركة إلى داخل المسجد.
أما القبة الخضراء التي تعلو الضريح فترجع إلى عصر المماليك.
وأول ضريح خطط في الإسلام ضريح الخليفة العباسي المستنصر
بالله الذي يعرف بقبة الصليبية، ثم انتشرت بعد ذلك عمارة الأضرحة في
العالم الإسلامي وبخاصة في العراق وإيران والهند ومصر. ومن أشهر الأضرحة
الإسلامية ضريح إسماعيل الساماني في بخارى، وضريح تيمورلنك في سمرقند،
وضريح الإمام البخاري الذي يقع في قرية خاجاه صاحب على بعد 30كم من سمرقند،
وضريح تاج محل بالهند، ومقابر الأئمة الزيدية في صنعاء، ومقابر السعديين
في مراكش، وأضرحة سلاطين المماليك بالقاهرة.
وصارت الأضرحة تلحق بعمائر دينية أخرى كالمدارس
والمساجد، ومن أقدم أمثلتها ضريح السلطان نور الدين محمود في سوريا 541هـ،
1146م. ثم انتقل هذا التأثير إلى مصر في عصر الأيوبيين وانتشرت انتشارًا
واسعًا في عهد سلاطين المماليك، حيث أصبحت تلحق بالأضرحة مساجد ومدارس
وأسبلة وخانقاوات وغيرها.
من أشهر الأضرحة الإسلامية وأفخمها تاج محل بمدينة أكرا
بالهند. وهذا الضريح يمثل قمة ما وصلت إليه فنون العمارة في العصر المغولي
بالهند. وقد شيد هذا الضريح السلطان شاه جهان سنة 1041هـ، 1631م ليكون
ضريحًا لزوجته ممتاز محل، ويعتبر تصميمه قمة من ناحية التخطيط المعماري
والأسلوب الزخرفي.
المنشآت المائية.
تعد المنشآت المائية من العمائر التي لها صلة مباشرة بالعمائر الدينية
لكونها كانت تبنى من قبل القادرين من الناس ابتغاء وجه الله وكسبًا لثوابه
وطمعًا في مغفرته سبحانه. والإسلام دين الطهارة، وتعتمد شعائره على الماء
بشكل أساسي، ولذا حرص المسلمون على بناء هذه المنشآت التي بقيت منها نماذج
رائعة في الآثار الإسلامية، من أهمها الأسبلة والحمامات، والآبار والقناطر
والسقايات وأحواض الدواب وبرك تخزين المياه، وغيرها الكثير مما يشهد على
عظمة المسلمين وحبهم للإنفاق في وجوه البر والأعمال التي تنفع الناس. ومن
أشهر الأسبلة والسقايات في العالم الإسلامي مجموعة أسبلة السلطان قايتباي
بالقدس والقاهرة والحجاز، وأسبلة محمد علي باشا بالقاهرة، وسبيل السلطان
أحمد في إسطنبول بتركيا.
أما أشهر الأسبلة في الحجاز فتلك التي شيدها الملك
عبدالعزيز آل سعود على طريق الحجاج الواقع بين مكة وجدة. وفي سوريا يوجد
سبيل ساحة بزة، وسبيل اشقتمر الواقع أمام جامع السكاكيني بحلب، وقد شيد
السبيل بالحجر المنقوش ومازال يحتفظ بتاريخ تأسيسه من قبل السلطان اشقتمر
سنة 773هـ (1371م). وقد جرت العادة أن يبنى فوق السبيل كتَّاب لتعليم
الأطفال. وكانت الأسبلة تزود بالماء عن طريق الصهاريج التي كانت تبنى في
أسفل كتلة السبيل.
ومن المنشآت التي لها صلة بالماء الحمامات ، وهي من
الأبنية المهمة في مختلف العصور الإسلامية نظرًا لأهميتها في التطهر
والنظافة. وكان يراعى في تخطيطها أن تصمم بحيث تتيح للمستحم أن ينتقل
تدريجيًا من الجو الحار إلى الجو البارد حتى لا يصاب بأذى. ومن أشهر
الحمامات التي مازالت قائمة وأقدمها حمام الصرح وحمام قصير عمره الواقعان
في بادية شرقي الأردن، ويعود تاريخ إنشائهما إلى العصر الأموي. أما القاهرة
فأشهر حماماتها يعود إلى عصر المماليك ومن أمثلتها حمام بشتاك وحمام
السلطان المؤيد . وفي سوريا يوجد حمام بزة الذي يقع بمدينة حلب.
ومن المباني التي لها صلة بالمنشآت المائية بئر الرملة ،
وهي تعد من أشهر الآثار المائية في الآثار الإسلامية بعد مقياس النيل
بالقاهرة، وقد شيدها الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي مازال اسمه محفورًا
على نقش تأسيسها المؤرخ في عام 172هـ، 788م. والبئر محفورة تحت سطح الأرض
وكسيت جدرانها بالحجارة المغطاة بطبقة من الملاط. ويوجد بالبئر حوائط ساندة
قوية تمتد من الشرق إلى الغرب، وأخرى تمتد من الشمال إلى الجنوب. وتعد بئر
يوسف من الآثار المائية التي يعود تاريخها إلى عهد الأيوبيين، وتقع بقلعة
الجبل التي شيدها السلطان صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة. وقد حفرت البئر في
الصخر بعمق يتجاوز أكثر من 80 م، وأشرف على حفرها الوزير بهاء الدين
قراقوش، وكان الماء يستخرج من عمق البئر على مرحلتين.
يعد مقياس النيل من أشهر الآثار المائية في الآثار
الإسلامية، ويقع بجزيرة الروضة بمدينة القاهرة. والمقياس عمومًا يعد من
المباني المعمارية الوثيقة الصلة بحضارة مصر؛ إذ كانت تحدد من خلاله مناسيب
المياه في نهر النيل، وذلك لعلاقتها المباشرة بمواسم الزراعة وجباية
الخراج. وقد شيد مقياس النيل بأمر من الخليفة العباسي المتوكل على الله عام
247هـ،861م. وهو يعد ثالث مقياس في مصر في العصر الإسلامي.
والقناطر من المباني التي لها صلة أيضًا بالمنشآت
المائية، حيث حظيت من المسلمين بعناية كبيرة، وكان بناء مثل هذه المباني
يتطلب نفقات كبيرة حيث كانت تبنى بغرض حمل الماء من أماكن بعيدة وتوصيله
إلى مناطق تفتقر إلى وجود الماء. ومن أشهر ما شيد من هذه القناطر في الآثار
الإسلامية وأقدمها قناطر أحمد بن طولون التي شيدها بمنطقة البساتين
بالقاهرة في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي. وفي المغرب الأقصى شيد
الخليفة يعقوب المنصور الموحدي قناطر كانت تمتد إلى أكثر من اثني عشر ميلاً
لتحمل الماء إلى مدينة رباط الفتح. ومن القناطر المشهورة أيضًا بفنها
الإنشائي والهندسي قناطر محمد علي بالقناطر الخيرية.
كما تعد أحواض الدواب من المباني التي لها صلة وثيقة
بالماء. وقد شيدت من أجل توفير الماء لشرب الدواب. وفي هذا رحمة كبيرة
بالحيوان الذي أوصى به الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وكذلك رسولنا
الكريم ³ في أحاديثه الشريفة. ومن أشهر أحواض الدواب في الآثار الإسلامية،
تلك التي بناها السلطان قايتباي بجوار مدرسته بصحراء المماليك بالقاهرة في
عام 883هـ، 1478م. وفي المغرب الأقصى شيد الخليفة يعقوب المنصور الموحدي
بمدينة الرباط سقاية لشرب الدواب.
أما النواعير (السواقي) فتعتبر مدينة حماة الأولى في
العالم المشهورة بكثرة نواعيرها الموزعة على ضفاف نهر العاصي، ومازال عدد
كبير منها قائمًا اليوم وقيد العمل، غير أنها لم توصل المياه إلى الأحياء
لخدمة البيوت والحمامات والمساجد، وأصبحت مقصورة اليوم على ري البساتين.
أما المواجل (الفسقيات) فهي من المباني التي لها صلة
بالمنشآت المائية وهي صهاريج كبيرة تجمع فيها المياه. ومن أشهر المواجل في
الآثار الإسلامية مواجل الأغالبة بتونس التي شيدت في عهد الأغالبة، وهي
صهريج كبير كانت تتجمع فيه مياه الأمطار ليشرب منه أهل القيروان.
المنشآت المدنية
تعتبر المنشآت المدنية من العمائر الإسلامية ذات الطابع
المدني التي تختلف وظائفها بين التجارة ومباني الرعاية الاجتماعية. وقد
تعددت هذه المنشآت، وبقيت آثارها في كثير من الأقطار الإسلامية، ومما بقي
من هذه العمائر مجموعة كبيرة من الخانات والوكالات والبيمارستانات والقصور
والدور والطرق والدروب وغيرها. ومن أهمها المباني التجارية وهي تضم :
الوكالات والخانات والفنادق والقيساريات. وجميعها تؤدي وظيفة واحدة وهي
أنها مآوي التجار والمسافرين والقوافل سواء في داخل المدن أو خارجها. يتكون
التخطيط المعماري لكل منها من فناء داخلي أوسط مكشوف تحف به مبان من عدة
طوابق أسفلها حجرات تلتف حول أضلاع الفناء من الداخل. وتُستغل هذه الحجرات
لعرض وخزن بضائع المقيمين في هذه المنشآت، ويعلو الطابق السفلي غرف
الإقامة. وتمتاز تلك المنشآت بمبانيها المتينة وأسوارها العالية المدعمة
بأبراج ومداخلها الضخمة، وذلك للحفاظ على البضائع المخزونة أو المعروضة
بها.
الخانات.
من المرجح أن طراز الخان بدأ ظهوره في إيران. وانتقل منها إلى مصر وآسيا
الصغرى وسوريا.
ومن أشهر الخانات في العالم الإسلامي خان عطشان. وهو يقع
في منتصف الطريق بين الأخيضر والكوفة، وربما يرجع بناء خان عطشان إلى عصر
بناء الأخيضر نفسه، أي إلى عام 161هـ، 778م. ويتكون التخطيط المعماري لخان
عطشان من مربع يبلغ طول ضلعه 25م، تحيط به من الخارج أسوار ضخمة مدعمة
بأبراج، ويقع المدخل في الجانب الشمالي. والخان من الداخل قد اندثرت معظم
أجزائه المعمارية، وتدل الحجرات الباقية على أنها سقفت بأقبية نصف
أسطوانية. ومن أشهر الخانات في آسيا الصغرى خان السلطان قونيه ويطلق عليه
هناك سلطان خان ـ شيده السلطان علاء كيكياد الأول 630هـ، 1232م. ولعلاء
الدين هذا خان آخر في مدينة قيصرية في سيواس. ومن الخانات السلجوقية في
آسيا الصغرى خاتون خان، وهو يقع على الطريق بين مدينة أماسيا وتوقات. وقد
شيد خان خاتون عام 636هـ، 1238م. ومن أشهر الخانات في سوريا خان جقمق، نسبة
إلى الأمير سيف الدين جقمق نائب السلطنة بدمشق بين عامي 822هـ و 824هـ، و
خان رستم باشا، الذي شيد عام 969هـ، 1561م بدمشق في وسط سوق المنصورية. أما
في القاهرة فيعرف أشهر خاناتها باسم خان الخليلي الذي شيده الأمير
المملوكي جهاركس الخليلي في القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي،
ويشتهر خان الخليلي الآن بتجارة العاديات والمصوغات العربية الدقيقة. وقد
أعاد السلطان الغوري بناءه في أوائل القرن العاشر الهجري، السادس عشر
الميلادي. ومن أشهر وكالات القاهرة وكالة السلطان الغوري 909هـ، 1504م، وهي
تقع بحي الأزهر، وتصميمها المعماري يتبع التخطيط التقليدي لعمارة الخان،
حيث تتكون الوكالة من فناء داخلي أوسط تحيط به مبانٍ متعددة الطوابق،
السفلي منها يشتمل على حجرات. وللوكالة مدخل واحد.
البيمارستانات.
من بين المنشآت المدنية المهمة حيث عني الإسلام بصحة الأبدان، وحث على
الاستشفاء ومعالجة الأمراض. وكان من مظاهر ذلك أن حرص المسلمون على إنشاء
البيمارستانات (المستشفيات) والعناية بتزويدها بكل ما يلزمها من أطباء
وأدوات طبية وتأمينية لاستمرارها في خدمة المرضى. أوقف عليها المسلمون
الأوقاف الكثيرة من أجل توفير مصادر الإنفاق. ومن بين أشهر البيمارستانات
في العالم الإسلامي بيمارستان السلطان المنصور قلاوون بمدينة القاهرة الذي
بُني عام 684هـ، 1285م. وقد وظَّف السلطان قلاوون في بيمارستانه أطباء في
جميع التخصصات، وكذلك الصيادلة والممرضين والسعاة، وزود عمارة البيمارستان
بالأثاث والأدوات والأدوية اللازمة لعلاج المرضى. ومن أشهر بيمارستانات
سوريا بيمارستان النوري الذي شيده السلطان نور الدين محمود في دمشق في
القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، كما شيد السلطان نور الدين
بيمارستانًا آخر بمدينة حلب. وقد خططت عمارة البيمارستان من صحن أوسط
وأربعة إيوانات متقابلة وأربع قاعات رئيسية موزعة في أركان البناء، وغطيت
جميعها بأقبية. ومن أشهر البيمارستانات في آسيا الصغرى (تركيا) في العصر
السلجوقي بيمارستان سيواس الذي يعد من أكبر البيمارستانات في منطقة
الأناضول، وقد شيده السلطان عز الدين كايكاوس الأول عام 614هـ، 1217م، كما
تنص على ذلك الكتابة الأثرية المنقوشة على المدخل الرئيسي.
الطرق والدروب.
عني المسلمون بإصلاح الطرق والدروب التي تربط بين المدن، وبخاصة تلك التي
تصل الأقطار الإسلامية بالمدينتين المقدستين مكة والمدينة، وذلك من باب
التيسير على الحجاج. ومن أهم الآثار الإسلامية المدنية في الجزيرة العربية
درب زبيدة، وهو طريق كان يسلكه الحجاج القادمون من العراق إلى مكة المكرمة.
وقد عنيت بتمهيده السيدة زبيدة زوج الخليفة العباسي هارون الرشيد، وذلك من
أجل تيسير سبل الحج. وقد أنشأت على امتداد الطريق منازل زودتها بالمرافق
اللازمة لخدمة المسافرين. وقد بلغت هذه المنازل نحو خمسين منزلاً، كما كانت
لهذا الطريق أيضًا أهمية في تيسير سبل التجارة، وفي ازدهار بعض المواقع
العمرانية الواقعة على امتداده.
القصور والدور.
إلى جانب حركة بناء المساجد، فإن هناك مشروعات معمارية أخرى كالقصور
العديدة والدور التي شيدت على أيدي المسلمين في الأمصار الإسلامية ولم يكتب
لها البقاء كما كتب للعمائر الدينية؛ حيث إن مثل هذه العمائر المدنية التي
تقع داخل المدن أدعى إلى الزوال والاندثار من القصور التي تُبنى في
البادية. ومن أشهر القصور في الآثار الإسلامية مجموعة القصور الأموية
والعباسية التي كشف عنها مؤخرًا في صحراء ببادية الشام، وأشهرها : قصر
الأخيضر، وقصر الجوسق الخاقاني، وقصر العاشق.
أما الأندلس فما زالت تحتفظ بأعظـم وأشهر القصور
الإسلامية، ومن أشهرها قصر الحمراء الذي يقع بمدينة غرناطة، ويتكون تخطيطه
المعماري من مجموعة عمائر مستقلة شيدت على مراحل متتابعة بدأها السلطان أبو
الحجاج يوسف الأول من بني الأحمر عام 733هـ، 1333م. ومن أهم وحدات القصر