المقالة الثامنة :
إن العدالة مبدأ أخلاقي سامي ، سعت المجتمعات قديمها وحديثها الى جعلها
واقعا ملموسا بين افرداها ، ولا يمكن ان يحصل ذلك الا اذا أُعطي كل ذي حق
حقه ، والحق هو الشيئ الثابت الذي لا يجوز إنكاره طبيعيا كان او اجتماعيا
او اخلاقيا . الا ان المفكرين والفلاسفة اختلفوا في الوسائل التي تمكننا من
نيل هذه الحقوق ، فاعتقد البعض منهم بأن القوة وسيلة مشروعة لتحقيقها ،
فهل يمكن اعتبار القوة – حقيقة – آداة مشروعة لنيل الحقوق ؟ بمعنى : هل
يمكن تأسيس الحقوق على أساس القوة ؟
1-أ- الاطروحة :1-ب- الحجة :كما ان المجتمع الدولي حاليا يثبت بأن الدول التي تتمتع بحق النقض ( الفيتو) في مجلس الامن هي الدول القوية اقتصاديا واجتماعيا .
لا ننكر ان بعض الحقوق تـمّ نيلها عن طريق القوة ، لكن ذلك لا يدعونا الى
التسليم أنها – أي القوة – وسيلة مشروعة للحصول على جميع الحقوق ، لأن ذلك
يؤدي الى انتشار قانون الغاب فيأكل بموجبه القوي الضعيف ، وبالتالي تفسد
الحياة الاجتماعية وتهدر الكثير من الحقوق .
2-أ- نقيض الاطروحة :2-ب – الحجة :كما ان ثبات الكثير من الحقوق يستبعد تأسيسها
على القوة او الاعتماد عليها في تحصيلها ، لأنها متغيرة ، وكل ما تأسس على
متغير كان متغيرا بالضرورة .
2- النقد :3- التركيب :حل المشكلة :هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟ جدلية
طرح المشكلة :يرى
البعض ان العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار ان العدالة الحقيقية
تعني المساواة بين الجميع الافراد في الحقوق والواجبات وامام القانون ، وأي
تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة القانون الطبيعي
وفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا انصار المذهب الاشتراكي .
الحجة :-- اما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون ان
انتقال الانسان من المجتمع الطبيعي الى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على
تعاقد ، وبما ان الافراد في المجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة
وكاملة ، لم يكونوا ليقبلوا التعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين
لهم ، فالمساواة شرط قيام العقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة اساسها
المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات .
إن
انصار المساواة مثاليون في دعواهم الى اقامة مساواة مطلقة ، ويناقضون
الواقع ، لأن التفاوت الطبيعي امر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا متطابقة ولا
متجانسين في كل شيئ ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ ففي المساواة
ظلم لعدم احترام الفروق الفردية الطبيعية .
عرض نقيض الاطروحة :فأفلاطون
قديما قسم المجتمع الى ثلاث طبقات : طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة
العبيد ، وهي طبقات تقابل مستويات النفس الانسانية : النفس العاقلة
والغضبية والشهوانية ، وهذا التقسيم يرجع الى الاختلاف بين الافراد في
القدرات والمعرفة والفضيلة ، وعلى العدالة ان تحترم هذا التمايز الطبقي ،
ومن واجب الدولة ان تراعي هذه الفوارق ايضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل فرد .
- وحديثا يؤكد ( هيجل 1770 – 1831 ) على مبدأ
التفاوت بين الامم ، وان الامة القوية هي التي يحق لها امتلاك كل الحقوق
وتسيطر على العالم ، على اساس انها افضل الامم ، وعلى الامم الاخرى واجب ،
هو الخضوع للامة القوية.
- أما انصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على
اساس التفاوت ، فالمساواة المطلقة مستحيلة وفيها ظلم ، إذ لا يجب مساواة
الفرد العبقري المبدع بالفرد العادي الساذج ، ولا العامل المجد البارع
بالعامل الكسول الخامل ، بل لابد من الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ، لأن
ذلك يبعث على الجهد والعمل وخلق جو من المنافسة بين المتفاوتين .
واخيرا ومن الناحية الاجتماعية ، فالناس ليسوا
سواء ، فهناك الغني الذي يملك والفقير الذي لا يملك ، والملكية حق طبيعي
للفرد ، وليس من العدل نزع هذه الملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .
النقد :ان
المساواة المطلقة مستحيلة ، والتفاوت الاجتماعي لا شك انه ظلم ، وعلى
المجتمع ان يحارب هذا التفاوت ليقترب ولو نسبيا من العدالة ، ولا يكون ذلك
الا بتوفير شروط ذلك ، ولعل من أهمها اقرار مبدأ تكافؤ الفرص والتناسب بين
الكفاءة والاستحقاق ومحاربة الاستغلال .
حل المشكلة :هل يمكن إبعاد القيم الاخلاقية من الممارسة السياسية ؟ جدلية .
I- طرح المشكلة :يرى
بعض المفكرين ، أن لاعلاقة بين الاخلاق والسياسة ، لذلك يجب إبعاد
الاعتبارات الاخلاقية تماماً من العمل السياسي ، وهو ما يذهب إليه صراحة
المفكر الايطالي " ميكيافيلي 1469 –1527 " في كتابه " الامير " ، حيث يرى
أن مبدأ العمل السياسي هو : « الغاية تبرر الوسيلة » ، فنجاح العمل السياسي
هو ما يحققه من نتائج ناجحة كإستقرار الدولة وحفظ النظام وضمان المصالح
الحيوية .. بغض النظر عن الوسائل المتبعة في ذلك حتى وإن كانت لاأخلاقية ،
بل ويذهب الى أبعد من ذلك ، فيزعم أن الاخلاق تضر بالسياسة وتعرقل نجاحها ،
وان الدول التي تبني سياستها على الاخلاق تنهار بسرعة.
وما
يبرر ذلك أن المحكوم إنسان ، والانسان شرير بطبعه ، يميل الى السيطرة
والاستغلال والتمرد وعدم الخضوع الى السلطة المنظمة ، ولو ترك على حاله
لعاد المجتمع الى حالته الطبيعية ، فتسود الفوضى والظلم واستغلال القوي
للضعيف ، ويلزم عن ذلك استعمال القوة وجميع الوسائل لردع ذلك الشر حفاظا
على استقرار الدولة ويقائها .
ولكن
القول أن الانسان شرير بطبعه مجرد زعم وإفتراض وهمي ليس له أي أساس من
الصحة ؛ فالانسان مثلما يحمل الاستعداد للشر يحمل أيضا الاستعداد للخير ،
ووظيفة الدولة تنمية جوانب الخير فيه ، أما لجوئها الى القوة فدليل على
عجزها عن القيام بوظيفتها ، والا فلا فرق بين الدولة كمجتمع سياسي منظم
والمجتمع الطبيعي حيث يسود منطق الظلم والقوة .
وأخيراً ، فالقوة أمر نسبي ، فالقوي اليوم ضعيف
غداً ، والواقع أثبت أن الدول والسياسات التي قامت على القوة كان مصيرها
الزوال ، كما هو الحال بالنسبة للانظمة الاستبدادية الديكتاتورية .
2-أ-عرض نقيض الاطروحة
وخلافا لما سلف ، يعتقد البعض الاخر أنه من الضروري مراعاة القيم
الاخلاقية في الممارسة السياسية ، سواء تعلق الامر بالعلاقة التي تربط
الحاكم والمحكومين على مستوى الدولة الواحدة ، أو على مستوى العلاقات بين
الدول . ومعنى ذلك ، أن على السياسي أن يستبعد كل الوسائل اللااخلاقية من
العمل السياسي ، وأن يسعى الى تحقيق العدالة والامن وضمان حقوق الانسان
الطبيعية والاجتماعية . وهذا ما دعا إليه أغلب الفلاسفة منذ القديم ، فهذا "
أرسطو " يعتبر السياسة فرعاً من الاخلاق ، ويرى أن وظيفة الدولة الاساسية
هي نشر الفضيلة وتعليم المواطن الاخلاق . ثم حديثا الفيلسوف الالماني "
كانط 1724 –1804 " ، الذي يدعو الى معاملة الانسان كغاية في ذاته وليس
كمجرد وسيلة ، كما دعا في كتابه " مشروع السلام الدائم " الى إنشاء هيئة
دولية تعمل على نشر السلام وفك النزاعات بطرق سلمية وتغليب الاخلاق في
السياسة ، وهو ما تجسد – لاحقا – في عصبة الامم ثم هيئة الامم المتحدة ،
كما دعا الى ضرورة قيام نظام دولي يقوم على الديمقراطية والتسامح والعدل
والمساواة بين الشعوب والامم . ومن بعده ألـحّ فلاسفة معاصرون على أخلاقية
الممارسة السياسية ، أبرزهم الفرنسي " هنري برغسون 1856 – 1941 " و
الانجليزي " برتراند رسل 1871 –1969 " .
2-ب-الحجة: ثم ان غياب الاخلاق وابتعادها من المجال السياسي
يوّلد انعدام الثقة والثورات على المستوى الداخلي ، أما على المستوى
الخارجي فيؤدي الى الحروب ، مع ما فيها من ضرر على الامن والاستقرار وإهدار
لحقوق الانسان الطبيعية ، وهذا كله يجعل الدولة تتحول الى أداة قمع وسيطرة
واستغلال .
2-جـ النقد :وفي
الواقع أنه لا يمكن الفصل بين الاخلاق والسياسة ، لذلك فغاية الممارسة
السياسية يجب أن تهدف الى تجسيد القيم الاخلاقية وترقية المواطن والحفاظ
على حقوقه الاساسية ، دون إهمال تحقيق المصالح المشروعة التي هي اساس بقاء
الدولة وازدهارها .
III– حل المشكلة :إذا
كانت التجربة لا تعطينا عدداً خالصاً مجرداً ولا خطاً دون عرض ولا سطحاً
دون سمك ، فهل يعني ذلك أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة
الحسية ؟
I- طرح المشكلة :يرى أصار النزعة العقلية المثالية أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة الحسية ، بل هي مفاهيم عقلية خالصة .
1-ب- الحجة :- ان التجربة لا تعطينا عدداً خالصاً مجرداً ولا
خطاً دون عرض ولا سطحاً دون سمك ، مما يعني ان المفاهيم الرياضية نابعة من
العقل وموجودة فيه بصورة قبلية .
- ان المفاهيم الرياضية هي مفاهيم فطرية تتميز
بالبساطة والبداهة واليقين ، وبما ان العقل قاسم مشترك بين جميع الناس ،
فإن الناس جميعهم بإمكانهم ادراك هذه المفاهيم ( ديكارت ) .
1-جـ- النقد :يؤكد أنصار النزعة الحسية التجريبية ان المفاهيم الرياضية مثل سائر معارفنا مستمدة من التجربة الحسية .
2-ب- الحجة :ان
المفاهيم الرياضية ليست كما اعتقد التجريبيون مستمدة من التجربة الحسية ،
فهذه الاخيرة لم تكن الاحافزا للعقل على تجريد المعاني الرياضية .
3- التركيب : إن أصل المفاهيم الرياضية هو التجربة الحسية ، ثم اصبحت مفاهيم مجردة لا علاقة لها بالواقع .
المقالة الثانية عشر:* تعتبر التجرية مقياس اساسي نحكم به على " علمية
" أي معرفة من المعارف ، ومن المعلوم ان الرياضيات علم عقلي بحت ، مجرد
تماما عن ماهو محسوس ، لذلك فهي لا تقدم أي معرفة تجريبية ، والسؤال الذي
يطرح هنا ؛ فيم تكمن قيمة الرياضيات اذا كانت لا تقدم أي معرفة تجريبية ؟
1- تعود
ان الرياضيات وان كانت من العلوم التجريدية فهي لغة العلوم التجريبية ،
وتكمن قيمتها في استعانة العلوم التجريبية بها في صياغة نتائجها . حيث ان
العلوم على اختلافها – سواء الطبيعية منها التي تدرس المادة الجامدة او
الحية ، أو الانسانية التي تدرس الانسان ومختلف مواقفه – تسعى الى استخدام
الرياضيات في مباحثها ومناهجها وصياغة نتائجها ..
فلقد صاغ " غاليلي " قانون سقوط الاجسام صياغة رياضية ( ع = ½ ج xإضافة الى ذلك ، فإن الكمياء إبتداءً من "
لافوازييه " أصبحت تعبر عن تفاعل العناصر و عمليات الاكسدة والارجاع في شكل
معادلات رياضية ، كما أصبح العنصر الكميائي يعرف بوزنه الذري ..
ولم يقتصر استعمال الرياضيات على العلوم الطبيعية
المادية فحسب ، بل تعداه الى العلوم الانسانية ؛ فلقد تمكن علماء النفس
الالمان " فيبر " و " فيخنر " من صياغة قانون رياضي للاحساس هو قانون
العتبة المطلقة والعتبة الفارقة . كما وضع الفرنسي " بيني " مقياسا رياضيا
عاما لدرجة الذكاء ونسبته ، هو العمر العقلي مقسوما على العمر الزمني
مضروبا في 100 . و ذات الامر في الاقتصاد والجغرافيا البشرية ؛ حيث يستعمل
الاحصاء وحساب الاحتمالات والتعبير عن النتائج في شكل معادلات رياضية
ومنحنيات بيانية ودوائر نسبية .
3-هذا من جهة ، ومن جهة فإن الرياضيات تهيئ للعلم
المفاهيم التي يقوم عليها، مثال ذلك ان " نيوتن " اقتبس مفهوم المكان من
المكان الحسي عند " إقليدس " ، ولولا هندسة " ريمان " لما كانت نسبية "
إنشتاين " .
* وهكذا يتضح ، أن للرياضيات قيمة كبرى باعتبارها
لغة العلوم الحديثة ، فهي وإن كانت لا تقدم أي معرفة تجريبية ، فإنها
اللغة التي تستخدمها هذه العلوم في التعبير عن نتائجها . فالرياضيات تمثل
نموذجا للوضوح ومعيارا للدقة واليقين وطريقا للابداع ، وهو ما يهدف كل علم
الى بلوغه .
الموضوع الثالثة عشر :تختلف
المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ، الامر الذي جعل البعض
يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج التجربيي عليها بنفس الكيفية المطبقة في المادة
الجامدة متعذرا ، و يعتقد آخرون ان المادة الحية كالجامدة من حيث مكوناتها
مما يسمح بامكانية اخضاعها للدراسة التجريبية ، فهل يمكن فعلا تطبيق
المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة الجامدة ؟
II– محاولة حل المشكلة :
1- أ- الاطروحة :و
يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة – شديدة التعقيد
نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق التناسل
للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على توازن
الجسم الحي يكون عن طريقالتغذية التي تتكون من جميع العناصر الضرورية التي
يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي هي مراحل
النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب للمرحلة اللاحقة .
هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من خلال
الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف تقوم بها جملة
من الاعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا اختل العضو تعطلت
الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز الكائنات الحية – ايضا –
بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و لا يمكن أن يقوم بوظيفته
الا في اطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود الى أن جميع الكائنات الحية –
باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا .
الملاحظة
؛ فمن شروط الملاحظة العلمية الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع
شروطها و ظروفها و مراحلها ، لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ،
فلأنها حية فإنه لا يمكن ملاحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و
تكامل و ترابط الاجزاء العضوية الحية فيما بينها ، مما يحول دون ملاحظتها
ملاحظة علمية ، خاصة عند حركتها أو اثناء قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن
ملاحظة العضو معزولا ، فالملاحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة
العلمية ، ثم ان عزل العضو قد يؤدي الى موته ، يقول أحد الفيزيولوجيين
الفرنسيين : « إن سائر اجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تتحرك
الا بمقدار ما تتحرك كلها معا ، و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من
نظام الاحياء الى نظام الاموات ».
ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار
الظاهرة في المختبر للتأكد من صحة الملاحظات و الفرضيات ، و اذا كان
الباحث في ميدان المادة الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء ،
ففي المادة الحية يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما الى نفس
النتيجة ، مثال ذلك ان حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة
الاولى ، و في الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة تؤدي الى موته ،
مما يعني أن نفس الاسباب لا تؤدي الى نفس النتائج في البيولوجيا ، و هو ما
يلزم عنه عدم امكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما
ان التجريب و تكراره يستند الى هذا المبدأ .
و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛
فإذا كانت الظواهر الجامدة سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو
فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف
في المادة الحية يشكل عقبة نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن
غيره ، ومن ثـمّ فإن كل تصنيف يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما
يؤثر سلبا على نتائج البحث .
لكن
هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها و محاولتها الظهور
كعلم يضاهي العلوم المادية الاخرى بعد انفصالها عن الفلسفة ، كما ان هذه
العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى التي لها علاقة
بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها .
2-أ- نقيض الاطروحة :و
ما يثبت ذلك ، أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر المادة الجامدة
كالاوكسجين و الهيدروجين و الكربون و الازوت و الكالسيوم و الفسفور ...
فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة .
كما اصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون
الحاجة الى ابطال وظيفة العضو أو فصله ، و حتى و إن تــمّ فصل العضو الحي
فيمكن بقائه حيا مدة من الزمن بعد وضعه في محاليل كميائية خاصة .
2-جـ- النقد :و
بذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة العلمية ، لكن مع
مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف عن طبيعة المادة الجامدة ، بحيث بحيث
يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم المادية الاخرى مع
الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة ، يقول كلود بيرنار : « لابد لعلم البيولوجيا أن
يأخذ من الفيزياء و الكمياء المنهج التجريبي ، مع الاحتفاظ بحوادثه الخاصة و
قوانينه الخاصة ».
III- حل المشكلة :وهكذا
يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على مستوى المنهج خاصة ، يعود
اساسا الى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة الحية ، والى كون
البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه تجاوز تلك العقبات
التي تعترضه تدريجيا .
الاستاذ : خ – داود
م / العقيد لطفي
إن العدالة مبدأ أخلاقي سامي ، سعت المجتمعات قديمها وحديثها الى جعلها
واقعا ملموسا بين افرداها ، ولا يمكن ان يحصل ذلك الا اذا أُعطي كل ذي حق
حقه ، والحق هو الشيئ الثابت الذي لا يجوز إنكاره طبيعيا كان او اجتماعيا
او اخلاقيا . الا ان المفكرين والفلاسفة اختلفوا في الوسائل التي تمكننا من
نيل هذه الحقوق ، فاعتقد البعض منهم بأن القوة وسيلة مشروعة لتحقيقها ،
فهل يمكن اعتبار القوة – حقيقة – آداة مشروعة لنيل الحقوق ؟ بمعنى : هل
يمكن تأسيس الحقوق على أساس القوة ؟
1-أ- الاطروحة :1-ب- الحجة :كما ان المجتمع الدولي حاليا يثبت بأن الدول التي تتمتع بحق النقض ( الفيتو) في مجلس الامن هي الدول القوية اقتصاديا واجتماعيا .
لا ننكر ان بعض الحقوق تـمّ نيلها عن طريق القوة ، لكن ذلك لا يدعونا الى
التسليم أنها – أي القوة – وسيلة مشروعة للحصول على جميع الحقوق ، لأن ذلك
يؤدي الى انتشار قانون الغاب فيأكل بموجبه القوي الضعيف ، وبالتالي تفسد
الحياة الاجتماعية وتهدر الكثير من الحقوق .
2-أ- نقيض الاطروحة :2-ب – الحجة :كما ان ثبات الكثير من الحقوق يستبعد تأسيسها
على القوة او الاعتماد عليها في تحصيلها ، لأنها متغيرة ، وكل ما تأسس على
متغير كان متغيرا بالضرورة .
2- النقد :3- التركيب :حل المشكلة :هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟ جدلية
طرح المشكلة :يرى
البعض ان العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار ان العدالة الحقيقية
تعني المساواة بين الجميع الافراد في الحقوق والواجبات وامام القانون ، وأي
تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة القانون الطبيعي
وفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا انصار المذهب الاشتراكي .
الحجة :-- اما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون ان
انتقال الانسان من المجتمع الطبيعي الى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على
تعاقد ، وبما ان الافراد في المجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة
وكاملة ، لم يكونوا ليقبلوا التعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين
لهم ، فالمساواة شرط قيام العقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة اساسها
المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات .
إن
انصار المساواة مثاليون في دعواهم الى اقامة مساواة مطلقة ، ويناقضون
الواقع ، لأن التفاوت الطبيعي امر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا متطابقة ولا
متجانسين في كل شيئ ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ ففي المساواة
ظلم لعدم احترام الفروق الفردية الطبيعية .
عرض نقيض الاطروحة :فأفلاطون
قديما قسم المجتمع الى ثلاث طبقات : طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة
العبيد ، وهي طبقات تقابل مستويات النفس الانسانية : النفس العاقلة
والغضبية والشهوانية ، وهذا التقسيم يرجع الى الاختلاف بين الافراد في
القدرات والمعرفة والفضيلة ، وعلى العدالة ان تحترم هذا التمايز الطبقي ،
ومن واجب الدولة ان تراعي هذه الفوارق ايضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل فرد .
- وحديثا يؤكد ( هيجل 1770 – 1831 ) على مبدأ
التفاوت بين الامم ، وان الامة القوية هي التي يحق لها امتلاك كل الحقوق
وتسيطر على العالم ، على اساس انها افضل الامم ، وعلى الامم الاخرى واجب ،
هو الخضوع للامة القوية.
- أما انصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على
اساس التفاوت ، فالمساواة المطلقة مستحيلة وفيها ظلم ، إذ لا يجب مساواة
الفرد العبقري المبدع بالفرد العادي الساذج ، ولا العامل المجد البارع
بالعامل الكسول الخامل ، بل لابد من الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ، لأن
ذلك يبعث على الجهد والعمل وخلق جو من المنافسة بين المتفاوتين .
واخيرا ومن الناحية الاجتماعية ، فالناس ليسوا
سواء ، فهناك الغني الذي يملك والفقير الذي لا يملك ، والملكية حق طبيعي
للفرد ، وليس من العدل نزع هذه الملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .
النقد :ان
المساواة المطلقة مستحيلة ، والتفاوت الاجتماعي لا شك انه ظلم ، وعلى
المجتمع ان يحارب هذا التفاوت ليقترب ولو نسبيا من العدالة ، ولا يكون ذلك
الا بتوفير شروط ذلك ، ولعل من أهمها اقرار مبدأ تكافؤ الفرص والتناسب بين
الكفاءة والاستحقاق ومحاربة الاستغلال .
حل المشكلة :هل يمكن إبعاد القيم الاخلاقية من الممارسة السياسية ؟ جدلية .
I- طرح المشكلة :يرى
بعض المفكرين ، أن لاعلاقة بين الاخلاق والسياسة ، لذلك يجب إبعاد
الاعتبارات الاخلاقية تماماً من العمل السياسي ، وهو ما يذهب إليه صراحة
المفكر الايطالي " ميكيافيلي 1469 –1527 " في كتابه " الامير " ، حيث يرى
أن مبدأ العمل السياسي هو : « الغاية تبرر الوسيلة » ، فنجاح العمل السياسي
هو ما يحققه من نتائج ناجحة كإستقرار الدولة وحفظ النظام وضمان المصالح
الحيوية .. بغض النظر عن الوسائل المتبعة في ذلك حتى وإن كانت لاأخلاقية ،
بل ويذهب الى أبعد من ذلك ، فيزعم أن الاخلاق تضر بالسياسة وتعرقل نجاحها ،
وان الدول التي تبني سياستها على الاخلاق تنهار بسرعة.
وما
يبرر ذلك أن المحكوم إنسان ، والانسان شرير بطبعه ، يميل الى السيطرة
والاستغلال والتمرد وعدم الخضوع الى السلطة المنظمة ، ولو ترك على حاله
لعاد المجتمع الى حالته الطبيعية ، فتسود الفوضى والظلم واستغلال القوي
للضعيف ، ويلزم عن ذلك استعمال القوة وجميع الوسائل لردع ذلك الشر حفاظا
على استقرار الدولة ويقائها .
ولكن
القول أن الانسان شرير بطبعه مجرد زعم وإفتراض وهمي ليس له أي أساس من
الصحة ؛ فالانسان مثلما يحمل الاستعداد للشر يحمل أيضا الاستعداد للخير ،
ووظيفة الدولة تنمية جوانب الخير فيه ، أما لجوئها الى القوة فدليل على
عجزها عن القيام بوظيفتها ، والا فلا فرق بين الدولة كمجتمع سياسي منظم
والمجتمع الطبيعي حيث يسود منطق الظلم والقوة .
وأخيراً ، فالقوة أمر نسبي ، فالقوي اليوم ضعيف
غداً ، والواقع أثبت أن الدول والسياسات التي قامت على القوة كان مصيرها
الزوال ، كما هو الحال بالنسبة للانظمة الاستبدادية الديكتاتورية .
2-أ-عرض نقيض الاطروحة
وخلافا لما سلف ، يعتقد البعض الاخر أنه من الضروري مراعاة القيم
الاخلاقية في الممارسة السياسية ، سواء تعلق الامر بالعلاقة التي تربط
الحاكم والمحكومين على مستوى الدولة الواحدة ، أو على مستوى العلاقات بين
الدول . ومعنى ذلك ، أن على السياسي أن يستبعد كل الوسائل اللااخلاقية من
العمل السياسي ، وأن يسعى الى تحقيق العدالة والامن وضمان حقوق الانسان
الطبيعية والاجتماعية . وهذا ما دعا إليه أغلب الفلاسفة منذ القديم ، فهذا "
أرسطو " يعتبر السياسة فرعاً من الاخلاق ، ويرى أن وظيفة الدولة الاساسية
هي نشر الفضيلة وتعليم المواطن الاخلاق . ثم حديثا الفيلسوف الالماني "
كانط 1724 –1804 " ، الذي يدعو الى معاملة الانسان كغاية في ذاته وليس
كمجرد وسيلة ، كما دعا في كتابه " مشروع السلام الدائم " الى إنشاء هيئة
دولية تعمل على نشر السلام وفك النزاعات بطرق سلمية وتغليب الاخلاق في
السياسة ، وهو ما تجسد – لاحقا – في عصبة الامم ثم هيئة الامم المتحدة ،
كما دعا الى ضرورة قيام نظام دولي يقوم على الديمقراطية والتسامح والعدل
والمساواة بين الشعوب والامم . ومن بعده ألـحّ فلاسفة معاصرون على أخلاقية
الممارسة السياسية ، أبرزهم الفرنسي " هنري برغسون 1856 – 1941 " و
الانجليزي " برتراند رسل 1871 –1969 " .
2-ب-الحجة: ثم ان غياب الاخلاق وابتعادها من المجال السياسي
يوّلد انعدام الثقة والثورات على المستوى الداخلي ، أما على المستوى
الخارجي فيؤدي الى الحروب ، مع ما فيها من ضرر على الامن والاستقرار وإهدار
لحقوق الانسان الطبيعية ، وهذا كله يجعل الدولة تتحول الى أداة قمع وسيطرة
واستغلال .
2-جـ النقد :وفي
الواقع أنه لا يمكن الفصل بين الاخلاق والسياسة ، لذلك فغاية الممارسة
السياسية يجب أن تهدف الى تجسيد القيم الاخلاقية وترقية المواطن والحفاظ
على حقوقه الاساسية ، دون إهمال تحقيق المصالح المشروعة التي هي اساس بقاء
الدولة وازدهارها .
III– حل المشكلة :إذا
كانت التجربة لا تعطينا عدداً خالصاً مجرداً ولا خطاً دون عرض ولا سطحاً
دون سمك ، فهل يعني ذلك أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة
الحسية ؟
I- طرح المشكلة :يرى أصار النزعة العقلية المثالية أن المفاهيم الرياضية ليست مستخلصة من التجربة الحسية ، بل هي مفاهيم عقلية خالصة .
1-ب- الحجة :- ان التجربة لا تعطينا عدداً خالصاً مجرداً ولا
خطاً دون عرض ولا سطحاً دون سمك ، مما يعني ان المفاهيم الرياضية نابعة من
العقل وموجودة فيه بصورة قبلية .
- ان المفاهيم الرياضية هي مفاهيم فطرية تتميز
بالبساطة والبداهة واليقين ، وبما ان العقل قاسم مشترك بين جميع الناس ،
فإن الناس جميعهم بإمكانهم ادراك هذه المفاهيم ( ديكارت ) .
1-جـ- النقد :يؤكد أنصار النزعة الحسية التجريبية ان المفاهيم الرياضية مثل سائر معارفنا مستمدة من التجربة الحسية .
2-ب- الحجة :ان
المفاهيم الرياضية ليست كما اعتقد التجريبيون مستمدة من التجربة الحسية ،
فهذه الاخيرة لم تكن الاحافزا للعقل على تجريد المعاني الرياضية .
3- التركيب : إن أصل المفاهيم الرياضية هو التجربة الحسية ، ثم اصبحت مفاهيم مجردة لا علاقة لها بالواقع .
المقالة الثانية عشر:* تعتبر التجرية مقياس اساسي نحكم به على " علمية
" أي معرفة من المعارف ، ومن المعلوم ان الرياضيات علم عقلي بحت ، مجرد
تماما عن ماهو محسوس ، لذلك فهي لا تقدم أي معرفة تجريبية ، والسؤال الذي
يطرح هنا ؛ فيم تكمن قيمة الرياضيات اذا كانت لا تقدم أي معرفة تجريبية ؟
1- تعود
ان الرياضيات وان كانت من العلوم التجريدية فهي لغة العلوم التجريبية ،
وتكمن قيمتها في استعانة العلوم التجريبية بها في صياغة نتائجها . حيث ان
العلوم على اختلافها – سواء الطبيعية منها التي تدرس المادة الجامدة او
الحية ، أو الانسانية التي تدرس الانسان ومختلف مواقفه – تسعى الى استخدام
الرياضيات في مباحثها ومناهجها وصياغة نتائجها ..
فلقد صاغ " غاليلي " قانون سقوط الاجسام صياغة رياضية ( ع = ½ ج xإضافة الى ذلك ، فإن الكمياء إبتداءً من "
لافوازييه " أصبحت تعبر عن تفاعل العناصر و عمليات الاكسدة والارجاع في شكل
معادلات رياضية ، كما أصبح العنصر الكميائي يعرف بوزنه الذري ..
ولم يقتصر استعمال الرياضيات على العلوم الطبيعية
المادية فحسب ، بل تعداه الى العلوم الانسانية ؛ فلقد تمكن علماء النفس
الالمان " فيبر " و " فيخنر " من صياغة قانون رياضي للاحساس هو قانون
العتبة المطلقة والعتبة الفارقة . كما وضع الفرنسي " بيني " مقياسا رياضيا
عاما لدرجة الذكاء ونسبته ، هو العمر العقلي مقسوما على العمر الزمني
مضروبا في 100 . و ذات الامر في الاقتصاد والجغرافيا البشرية ؛ حيث يستعمل
الاحصاء وحساب الاحتمالات والتعبير عن النتائج في شكل معادلات رياضية
ومنحنيات بيانية ودوائر نسبية .
3-هذا من جهة ، ومن جهة فإن الرياضيات تهيئ للعلم
المفاهيم التي يقوم عليها، مثال ذلك ان " نيوتن " اقتبس مفهوم المكان من
المكان الحسي عند " إقليدس " ، ولولا هندسة " ريمان " لما كانت نسبية "
إنشتاين " .
* وهكذا يتضح ، أن للرياضيات قيمة كبرى باعتبارها
لغة العلوم الحديثة ، فهي وإن كانت لا تقدم أي معرفة تجريبية ، فإنها
اللغة التي تستخدمها هذه العلوم في التعبير عن نتائجها . فالرياضيات تمثل
نموذجا للوضوح ومعيارا للدقة واليقين وطريقا للابداع ، وهو ما يهدف كل علم
الى بلوغه .
الموضوع الثالثة عشر :تختلف
المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ، الامر الذي جعل البعض
يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج التجربيي عليها بنفس الكيفية المطبقة في المادة
الجامدة متعذرا ، و يعتقد آخرون ان المادة الحية كالجامدة من حيث مكوناتها
مما يسمح بامكانية اخضاعها للدراسة التجريبية ، فهل يمكن فعلا تطبيق
المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة الجامدة ؟
II– محاولة حل المشكلة :
1- أ- الاطروحة :و
يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة – شديدة التعقيد
نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق التناسل
للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على توازن
الجسم الحي يكون عن طريقالتغذية التي تتكون من جميع العناصر الضرورية التي
يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي هي مراحل
النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب للمرحلة اللاحقة .
هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من خلال
الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف تقوم بها جملة
من الاعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا اختل العضو تعطلت
الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز الكائنات الحية – ايضا –
بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و لا يمكن أن يقوم بوظيفته
الا في اطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود الى أن جميع الكائنات الحية –
باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا .
الملاحظة
؛ فمن شروط الملاحظة العلمية الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع
شروطها و ظروفها و مراحلها ، لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ،
فلأنها حية فإنه لا يمكن ملاحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و
تكامل و ترابط الاجزاء العضوية الحية فيما بينها ، مما يحول دون ملاحظتها
ملاحظة علمية ، خاصة عند حركتها أو اثناء قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن
ملاحظة العضو معزولا ، فالملاحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة
العلمية ، ثم ان عزل العضو قد يؤدي الى موته ، يقول أحد الفيزيولوجيين
الفرنسيين : « إن سائر اجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تتحرك
الا بمقدار ما تتحرك كلها معا ، و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من
نظام الاحياء الى نظام الاموات ».
ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار
الظاهرة في المختبر للتأكد من صحة الملاحظات و الفرضيات ، و اذا كان
الباحث في ميدان المادة الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء ،
ففي المادة الحية يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما الى نفس
النتيجة ، مثال ذلك ان حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة
الاولى ، و في الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة تؤدي الى موته ،
مما يعني أن نفس الاسباب لا تؤدي الى نفس النتائج في البيولوجيا ، و هو ما
يلزم عنه عدم امكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما
ان التجريب و تكراره يستند الى هذا المبدأ .
و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛
فإذا كانت الظواهر الجامدة سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو
فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف
في المادة الحية يشكل عقبة نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن
غيره ، ومن ثـمّ فإن كل تصنيف يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما
يؤثر سلبا على نتائج البحث .
لكن
هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها و محاولتها الظهور
كعلم يضاهي العلوم المادية الاخرى بعد انفصالها عن الفلسفة ، كما ان هذه
العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى التي لها علاقة
بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها .
2-أ- نقيض الاطروحة :و
ما يثبت ذلك ، أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر المادة الجامدة
كالاوكسجين و الهيدروجين و الكربون و الازوت و الكالسيوم و الفسفور ...
فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة .
كما اصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون
الحاجة الى ابطال وظيفة العضو أو فصله ، و حتى و إن تــمّ فصل العضو الحي
فيمكن بقائه حيا مدة من الزمن بعد وضعه في محاليل كميائية خاصة .
2-جـ- النقد :و
بذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة العلمية ، لكن مع
مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف عن طبيعة المادة الجامدة ، بحيث بحيث
يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم المادية الاخرى مع
الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة ، يقول كلود بيرنار : « لابد لعلم البيولوجيا أن
يأخذ من الفيزياء و الكمياء المنهج التجريبي ، مع الاحتفاظ بحوادثه الخاصة و
قوانينه الخاصة ».
III- حل المشكلة :وهكذا
يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على مستوى المنهج خاصة ، يعود
اساسا الى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة الحية ، والى كون
البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه تجاوز تلك العقبات
التي تعترضه تدريجيا .
الاستاذ : خ – داود
م / العقيد لطفي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الموضوعالأصلي : تابع.......ثلاثة عشر (13) مقالات فلسفية ، لمن يهمه الامر المصدر : شبكة ومنتديات شباب الجزائر الكاتب:YOUCEF SAIDANI